ينتسب إلى التيار الذي نتحدث عنه، ولما تخالف مع أستاذه الأفغاني، أصبح ينتسب إلى هذا التيار الأول: نشر التعليم والتربية، وابتعد عن السياسة والعمل السياسي.
التيار الثاني: يرى أنه لا يمكن التفكير في التحديث والحداثة والتقدم قبل إنجاز مرحلة الإصلاح السياسي، وقسم من هؤلاء سعى هذا المسعى التحديثي من داخل السلطة.
وليس من الصدفة أن أبرز تيارات الفكر الإصلاحي في المجتمع العربي الإسلامي في تلك الفترة انطلقت من عدة مراكز: إستنبول عاصمة الخلافة، ومصر وتونس؛ لأن مشروعات التحديث البارزة في هذه البلدان الثلاثة انطلقت من داخل السلطة: محاولات مدحت باشا بالباب العالي، الطهطاوي وعلاقته مع محمد علي في مصر، ثم خير الدين في تونس.
وأبرز نقطة يمكن أن نلمح الآن إليها بسرعة في هذا: الفكرة التحديثية من داخل السلطة. أبرز نقطة -في رأي الشخصي- أن هذه المحاولات الثلاث للإصلاح من داخل السلطة من رجال يباشرون السلطة، الصدر الأعظم أو الوزير الأكبر في تونس، وشخص أكبر من الوزير، في النهاية اكتشفوا أنه لا إمكان لمشاريع تحديثية تقدمية ضمن سلطة استبدادية، وأبرز من تفطن إلى هذا هو خير الدين، ولذا أنا طرحت هذا السؤال وتساءلت في أحد النصوص التي نشرتها: هل كان أنصار الفئة الثانية مدركين أنه لا يمكن أن يتحقق التقدم، وأن تؤتي الإصلاحات التحديثية أُكلها في ظل نظم سلطوية استبدادية، وأن الحل يبدأ بالإصلاح السياسي كما تفطن إلى ذلك خير الدين حكيم السياسة -كما كان يسميه الطهطاوي-؛ لأنه في ممارسة السلطة تفطنوا إلى هذا التناقض الكبير؟ غير أن خير الدين وجد نفسه أن ذلك غير ممكن في ظل السلطة