وبصدور قانون جديد للصحافة يخفف من قيودها، ويرفع عنها الضمان المالي، زادت روح النهضة اتقاداً، وانتشرت دعوتها، وكثرت صحفها مناصرة الفكرة الإصلاحية، ومنوّهة بمجلة "المنار" ومقالاتها التي تقاوم الأولياء وزيارة القبور، وتثير مسائل كلامية، ومسائل فقهية.
فأصبح الخطر يهدد المحافظين والمناهضين لحركة الإصلاح، سيما وأنهم لا يملكون وسيلة ناجعة تربطهم بالناس، وتوضح مواقفهم؛ لأن الصحافة كانت كلها بأيدي المجددين، وقد قَوَّت الضجّة التي قامت حول مسألة الفتوى الترنسفالية سنة ١٩٠٣ حاجةُ هذه المجموعةِ المحافظةِ إلى عالم شهير يقود حركتهم، كما يفعل الشيخ سالم بو حاجب مع الإصلاحيين، ولسان نشر يعرف بمواقفهم وآرائهم يقابل مجلة "المنار".
وكان الشيخ محمد النجار المفتي المالكي معروفاً بغزارة علمه، وسعة اطلاعه، ورده على المسائل الدينية التي تتناولها مجلة "المنار"، فالتف حوله المحافظون، ووفروا بذلك العنصر الأول من حاجتهم، أما العنصر الثاني، فقد توفر لهم بصدور مجلة "السعادة العظمى" التي أسسها الشيخ محمد الخضر حسين سنة ١٩٠٤ م، الذي كان يتحين الفرص لتحرير مجلة يساير بها أبناء نشأته، ويؤدي بها واجبه نحو دينه. وقد قال "وكثيراً ما ترصدنا فترة من العوائق لمسايرتهم بتحرير مجلة علمية أدبية توفية ببعض حقوق دينية، ولم تهب رياح القدر مسعفة بفصالها، إلا في هذا الإبان".
إذاً، رغبة شخصية نابعة من اقتناع بقيمة الصحافة، ودورها في الإرشاد وترقية الأمة، وهذا ما يثبته اختيار محمد الخضر حسين للمقال الذي صدر