فالتقدم المشاهَد في المجتمعات الأوروبية بالعيان، وليس بعده بيان -كما عبَّر عنه المصلح خير الدين-، وسقوط المجتمعات العربية والإسلامية في وَهْدة التخلف، وانحباس أعضائها الحضاري قابلٌ -كما بيّن الشيخ الخضر- لكل ذي همة عالية أن يسأل ويبحث، ويقارن ويحلل، ويضع مظاهر التخلف تحت محك البحث والمساءلة؛ وصولاً إلى معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الانحدار في وهدة السقوط الحضاري، وتوصلاً بالمعالجات الصحيحة العلمية المبنية على النظر الدقيق، والفحص العميق؛ للخروج من دائرة التخلف إلى دائرة النهوض والتقدم.
ولا يكون التقدم قابلاً للتحقق في مواقع الوجود الفعلي في رأي الشيخ الخضر، ولا يتسنى للأمة أن تستعيد عافيتها وتوازنها، وتسترجع نضارتها وحيويتها، وتستأنف دورها في تنشيط الحركة الحضارية، ولا يمكن للمجتمع العربي والإسلامي، وتونسُ أنموذجٌ له، أن يعرج إلى الأفق الأعلى من الأمن والسعادة -كما قال- إلا من خلال كبر الهمة، إلا إذا كانت الهمة تواقة إلى المعالي. ومن قوله:"جرت سنّة الله في خلقه أن لا ينهض بأحد المقاصد الجليلة، ويرمي إلى الغايات البعيدة، التي يشد بها نطاق السيادة الكبرى، غيرُ النفوس التي عظم حجمها، وكبرت هممها، فلم تعلق إرادتها بسفاسف الآمال".
هذه النوعية من الرجال والشباب التي كان الشيخ الخضر يعمل على تحريكها، وعلى صناعتها؛ للوصول بالمجتمع التونسي بعد حين إلى الغاية التي كان يروم؛ من الاستقلال، ومن الحرية، ومن النهضة المعرفية.