ودعا الشيخ الخضر إلى أن تتجه المؤسسة التربوية والفكرية إلى بث هذه الروح في الناشئة التي هي مناط المستقبل، فقال:"وإذا استبنّا أن أكبر الهمة سجيةٌ من سجايا الدين، تصدر عنها الأعمال العظيمة، وتضم تحت جناحيها فضائلَ شتى، فلم لا تعقد عليها نفوس أبنائنا، ونرشحهم بلبانها في أدوار تربيتهم الأولى؛ ليستشعروا بالأداب المضيئة، ويتجلببوا بالقوانين العادلة، ولنا حياة طيبة في العاجل، وعطاء غير مجذوذ في الآجل".
وكبر الهمة، والتَّوق إلى المعالي والوجدان الأفضل والأكمل والرَّوْم على الدوام، هي مركزية في النطاق الفردي، وفي النطاق الجماعي بالنسبة إلى المجتمع التونسي، وخصص لها كتابا مفرداً هو في حقيقته محاضرة ألقاها على منبر (جمعية قدماء الصادقية) سنة ١٩٠٦ م، وفي هذا الكتاب الصغير الحجم، الجليل الفائدة، جليلُ الأفكار المتضمنة فيه، بيَّن أن المجتمع الذي جثم الاستعمار عليه، أو كان تحت نفوذ سلطة مستبدة، غيرُ قادر على إنجاز الأعمال الجليلة، فقال:"الأمة التي بُليت بأفراد متوحشة تجوس خلالها"، ويقصد: السلطة الاستعمارية، "أو حكومة جائرة تسوقها بسوط الاستعباد": النظام الملكي للبايات المطلق، "هي الأمة التي نصفها بصفة الاستعباد، وننفي عنها لقب الحرية". وفي المقابل، فالتجمع الحر المستقل الذي يتمتع أفراده بالحرية التي عرّفها الشيخ الخضر بمضامينها الحديثة، فقال:"حيث عرف الحرية أن تُقرر للمرء حقوق لا تعوقه عن استيفائها يد غالبة"، هذه الحرية هي المنطلق والأساس بالنسبة إلى تحقق كبر الهمة، ثم إلى النهوض المعرفي والسياسي، والعلمي والاجتماعي، وإحداث الحراك اللازم لهذا النهوض.