هاتان المقدمتان أردت بهما أن أشير إلى الوضع، البيئة، التي نشأ فيها الشيخ محمد الخضر حسين، وشارك فيها. كيف شارك؟
في تقديري، منظومة التطوير عند الشيخ محمد الخضر حسين فيها مجالات تحتاج إلى المراجعة، مراجعتنا نحن؛ لأننا -في تقديري- من المقصرين إزاء الشيخ محمد الخضر حسين وغيره من الذين كانوا أعلاماً، وأعطوا للفكر التونسي إلى يوم الناس هذا الثوابتَ التي ينبغي أن نعرفها، وأن نعرّف بها شبابنا على وجه الخصوص.
أول فكرة -في تقديري- جوهرية، هي فكرة العقل. كيف عاد الشيخ محمد الخضر حسين إلى منظومة العقل لتطوير المنظومة الدينية، العقل في تاريخ المسلمين له شأن كبير، ولكنه شأن منزلق من القوة إلى الضعف.
بدأ العقل اجتهاداً واستنباطاً، ونشراً للعلوم والمعارف، ثم ارتبط بالتقليد، والتقليد إنما هو كسر للعقل، واتباع لآراء البشر، وتبني الآراء المقلدة بدلَ العودة إلى القرآن والسنّة، والتماس الحجج منهما. الشيخ محمد الخضر حسين حينما نظر إلى العقل كأني به يسترجع ما قاله أبو سليمان المنطقي، ابن بهرام السجستاني له كتاب عنوانه:"سوار الحكمة"، نقل عنه أبو حيان التوحيدي ما يلي، يقول: إن الشريعة حق، ولكنها ليست من الفلسفة في شيء، وإن الفلسفة حق، ولكنها ليست من الشريعة في شيء، فوجب الأخذ بهما في مكانين متوازيين؛ وصولاً إلى السكينة الإلهية، أو إلى الحكمة الإلهية.
انظروا العقل الذي كان صافياً إلى درجة التمييز بين الفلسفة، وهي واجب على المجتمع، والشريعة، وهي واجب على المجتمع.