الفكرة الأخيرة تتعلق بالتطوير انطلاقاً من القيم المدنية، وهذا لافت في نظر الشيخ؛ لأن العودة إلى الأصل، التطوير بالتفقه بالدين، هذا من شأن المنظومهّ الدينية الداخلية، ولكن للشيخ فكراً يدعو إلى تطوير المنظومة الدينية عبر القيم التي هي إسلامية محضة؛ كالوقت، كالعمل، كالعمران، هذه المصطلحات التي تناولها الشيخ في "السعادة العظمى".
هذه القيم التي كان يبدو أن ثقافة المسلمين كانت خالية منها، فجاء يدعو إليها بمقتضى الأصل، بمقتضى القرآن والسنّة، وبمقتضى حال الوقت، أو بمقتضى روح العصر الذي عاشه، وهو في سنة ١٩٠٤ م، وقد أصدر مجلة "السعادة العظمى".
أريد أن أختم بأن الشيخ اهتدى لأول مرة في تونس إلى الصحافة الدينية.
صحافة، ما دورها؟ من كان يكتب فيها في تلك الفترة من ١٨٦٠ إلى ١٨٨٨ م بجريدة الحاضرة إلى "السعادة العظمى"، وإلى المجلة "الزيتونية"؟
أقطاب الفكر التونسي كلهم كانوا يكتبون في الصحافة.
جلّ المفكرين التونسيين من المدرسيين، أو من المسجديين كانوا يكتبون في الصحافة.
أليس من الجرأة التي تعيدني إلى من جاء من "نقطقه" حيث الاتساع إلى الحاضرة؛ حييث الضيق والمحبس، لكي ينشر قيما في الصحافة التي كانت تقرأ في المقاهي الأدبية، وفي الجمعيات، وفي المنتديات؛ حيث كان عامة الناس من الذين يجهلون القراءة والكتابة، يصغون إلى من يقرؤون عليهم الصحف والمجلات، ومنها:"السعادة العظمى".