اللغة والدين إذ يقول:"نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي يقال لها: "نفطة"، وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحاتٌ تهُبُّ في مجالس علمائها، وكان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقتُ طعم الأدب من أول نشأتي، وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظمَ الشعر"(١).
والتحق الخضر حسين سنة (١٣٠٧ هـ / ١٨٨٧ م) بجامع الزيتونة، وكان متهيئاً لتلقي العلوم؛ لما أُتيح له من تكوين خاص، وقد وافق دخولُهُ حركةً إصلاحيةً عميقةً شملتْ العلومَ والكتبَ المقرَّرَةَ ومناهجَ التدريس، وكان لهذا الإصلاح أثرُهُ الإيجابيُّ في تكوبن شخصيته، مع ما تلقاه من علم على عدد من الشيوخ الذين تأثر بهم، وتلقى عنهم العلمَ، ومن أبرزهم: الشيخُ سالم بو حاجب، والشيخ عمر بن الشيخ، ومحمد النجار (١٨٣٩ م - ١٩١٢ م). وبذلك فقد تلقى علومَه من شيوخ تميزوا بالبراعة في التدريس والمحاضرة، والتبحر في العلوم اللغوية والشرعية، وكان لهذا الاتصال أثرُهُ؛ إذ تجلَّت هذه الخصال فيه، وظهرتْ في مقالاته ومحاضراته.
ثم انتقل إلى سورية في ديسمبر ١٩١٢ م؛ حيث استقر بدمشق مع عائلته، والدته وإخوته الأربعة الذين سبقوه إلى هناك، وخلال إقامته كان مثابراً على نفس النشاط العلمي والإصلاحي الذي كان يقوم به في تونس، فكان يكتب المقالاتِ في الصحف والمجلات، ويلقي المحاضرات. وقد امتازت هذه المرحلة من حياته في سورية بكثرة التنقل والسفر بين البلدان العربية والأوروبية خاصة.
(١) محمد الخضر حسين ديوان "خواطر الحياة"، القاهرة سنة ١٩٥٣ م، (ص ٥).