مواقفه، ويغيّر كتابته، فرفض، وهُدد، فتحدى التهديد، وحُكم عليه بالحبس والنفي في مدينة "الأغواط"، وهو موجود في الجزائر، وكان في الحكم قرار أن ينتقل إلى منفاه مشياً على الأقدام ٤٥٠ كم. وبالفعل انتقل، وعندما وصل، وكان في حالة سيئة، سأله صحفي، فقال له: أنا مستعد إلى أكثر من هذا، وإلى أن أموت إن اقتضى الحال. وقع نفس الشيء مع الشيخ المكي بن شباح في بداية القرن عندما دعته السلطات الاستعمارية، وطلبت منه أن يتخلى عن النضال السياسي، ورفض، فحكم عليه بالنفي من "بسكرة" إلى "أولاد جلال"، وهو مربوط في ذيل الفرس التي كان يقودها التابع لدائرة الشرطة، هذه هي شروط المثقف.
لذلك كنت دائماً أقول للطلبة عندما يتحدثون عن الذين فجروا فتيلاً: هؤلاء لم يكونوا مثقفين. أقول لهم: لا، لم يكونوا حاملي شهادات، ولكنهم كانوا مثقفين؛ بدليل أنهم أدركوا: أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأدركوا -أيضاً- أنه ما ينبغي أن نسترجعه إن كان ثميناً يجب أن نقدم له ما هو أسمى، وهي أنفسنا، فهؤلاء هم المثقفون.
نعود إلى دور المثقف في توثيق العلاقات بين الشعب الجزائري والشعب التونسي، ما دام أرغمنا على هذه التسمية، وأرغمنا على التنازل عن كثير من المفاهيم. كنا -نحن المثقفين- نتحدث عن الإمبريالية، وكنا نتحدث عن الاستعمار، وأرغمنا على التخلي عن كثير من المفاهيم، وأتمنى أن يأتي مثقفون حقيقيون يعيدون المياه إلى مجاريها.
فالعلاقات كانت أمتن في الفترة الاستعمارية بين مثقفي الجرائر ومثقفي تونس مما عليه الآن. لم تعد هناك علاقات.