لقد تولدت عن هذا المنهج قيم خالدة (نعضّ عليها بالنواجذ) كما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كحرية النقد، واحترام التفكير، والوسطية والاعتدال، واعتبار النسبية لضبط الظواهر والمواقف؛ بحيث لا إفراط في فكره. ولعل قمة نبوغه في مواقفه من نزوعات عصره وأحداثه، فما إن ظهرت "العروة الوثقى" إلى تونس، ظهر اضطراب بالأفكار، ولّد -كما يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور- تناحراً وتنابذاً، واهتزت الألباب دهشة من جراء ذلك الاضطراب.
ووقف الشيخ الخضر حسين في الوسط العدل، ونأى بنفسه الانحياز إلى نزعة من النزعات المتقابلة، رافضاً الإغراء في الحكم، معايشاً القضايا بكل هدوء وموضوعية، موجهاً الرأي إلى ما فيه الصلاح العام، وما يقتضيه من قيم زكية ينبغي أن تسود، وكل خلق قويم يجب أن يكون الرابط بين الطرفين.
ومما يزيدنا إكباراً لفكر محمد الخضر حسين، ويعمم رغبتنا في الاستزادة من دراسته بالعمق اللازم -وقد سمعت نباً أطرب له: أنه ستتناول هذه القضايا التي تقبلها مراراً وتكراراً في المستقبل إن شاء الله تحقيقاً-: وعيُه الكبير لضرورة تربية الشخصية الفردية والجماعية على التمسك بالهوية، الهوية المتحركة، المتشبثة بالثوابت، المعتبرة لمتغيرات الزمان والمكان، ولا تعارض بين هذه وتلك، آملة في مستقبل تواكب حركة المجتمع ومواقعه من علوم ومعارف وتقنيات كفيلة بتيسير إنجاز التقدم، وتحقيق النمو، ودعم القدرة على الإسهام في صنع التاريخ. كفانا استهلاكاً، لا بد أن نصل إلى