الدين تشبثاً -كما قلنا- بالماضي، وبأقوال رجال عبّروا عن واقعهم الذي ولّى ولن يعود. وهؤلاء رجال، ونحن رجال -كما يقول علماؤنا-. وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا، وأن نفهم نصوصنا لنعبّر عن واقعنا كما عبّروا، ونجدّد كما جدّدوا بكنف التمسك الواعي في ثوابت شخصيتنا.
والمقوم الثالث اللغة: - وأرى لافتة كُتب عليها: اللغة مقوّم أساسي من المقومات - يجدر القول هنا: إن الشيخ محمد الخضر حسين لم يكتف بطرح المسألة اللغوية في محاضرته التي ألقاها في نادي الجمعية الصادقية بعنوان: (حياة اللغة العربية)، لم يكتف بتدريس اللغة، بل تجاوز ذلك إلى العمل الميداني من خلال الجمعيات الثقافية ... وأقصد: هنا هذه الجمعيات الثقافية، ومن خلال العمل المؤسساتي، وأقصد هنا: المجمع العلمي العربي في دمشق، الذي يعد محمد الخضر حسين من أعضائه الأولين، كما أنه كان من أبرز الأعضاء الذين تأسس بهم مجمع اللغة العربية بمصر، فقد أبرز أن اللغة وعاء حضاري، ولابد أن تواكب حركة المجتمعات العربية، وذلك يتأتى بالانفتاح على العلوم الأخرى، واستيعاب العلوم والمعاني الجديدة. وهو ممن حرص على حذق اللغة الأجنبية، والتفتح على الآخر. وزار ألمانيا مرتين، ومن فرط ذكائه ونبوغه: أنه حفظ اللغة في أشهر معدودة، فاكتسب الخصال الثورية لمعرفة الواقع المتجدد.
هذا المقوم نحرص عليه اليوم، ومن أغلب الدلالات على ذلك: ما تفضل به سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بإطار المرجع الذي ألقاه يوم ٧ نوفمبر ٢٠٠٨ م دعا فيه إلى إحكام الإحاطة بالشباب، وتجنيبهم الاغتراب الحاصل من التحولات المتسارعة، وإلى الاهتمام باللغة العربية.