للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه أقرب الطرق وأظهرها لإفهام الخلق؛ فإن القرآن نزل ليفهمه كل الناس من الخاصة والعامة.

قال الرازي: إن الاستدلال بحدوث الأعراض يتضمن التذكير بالنعم.

وقد سلك القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الخالق طريقين:

أولهما: كمال القدرة.

وثانيهما: تمام النعمة واللطف بالخلق؛ كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠].

فهذه الآية جمعت بين الاستدلال بكمال القدرة، وإتمام النعمة، ومثلها الآيات الدالة على كمال القدرة، والآيات الواردة في إتمام النعمة.

وانظر إلى قول موسى - عليه السلام - فيما قصه القرآن عنه: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠].

أي: أعطى كل شيء صورته الخاصة، وشكله المعين المطابقين للحكمة والمصلحة.

واستدل أبو حنيفة - رضي الله عنه - على بعض الدهرية، وهم الذين عناهم القرآن بقوله:

{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤]

فقال: لو أن رجلًا يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال، مملوءة بالأثقال، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها، ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل؟ قالوا: لا، قال: سبحان الله! إذا لم يجز في