ثم تنوسيت هذه الوظيفة. وصار أمر التصرف فيها إلى الحاكم الأعلى.
والذي تصدر عنه المظالم رجل قوي ببدنه، أو عصابته، أو ماله، أو جاهه، فيعتدي على الضعيف، فيفتك بجسمه، أو ينغمس في عرضه، أو يتناول ماله بغير حق، ويخرج بما يفعله عن الإنسانية.
قال محمد بن كعب في كتاب له يصف الإنسان الكامل:"وإذا غضب، لم يخرجه غضبه عن الحق، إذا قدر لم يتناول ما ليس بحق له".
وللحكام العادلين قصص كثيرة في مكافحة الظالمين، وأذكر منها: أن رجلاً من العامة دخل على مجلس المنصور بن أبي عامر، وقال له: إن لي مظلمة عند الوصيف الذي على رأسك، وقد دعوته إلى الحاكم، فلم يأت، فقال المنصور للوصيف الذي على رأسه: انزل صاغراً، وساو خصمك! وذكر العامي قضيته، فقال المنصور لصاحب الشرطة الخاص بمجلسه: خذ هذا الوصيف إلى صاحب المظالم ينفذ عليه حكمه بما يوجبه الحق من سجن وغيره. وأبعدَ الوصيفَ عن الخدمة.
ويؤخذ من هذه القصة التي قصها صاحب "نفح الطيب" أنه كان في الأندلس وظيفة صاحب المظالم.
وتقترب الأمة من الحرية بقدر ما تقل فيها المظالم، وقد قضيت في ألمانيا سنة وأربعة أشهر تقريباً لم أر أحداً يرفع صوته على آخر بالشتم، أو يرفع يده لأذيته، فأقول: هذا من خلق القرآن الكريم؛ إذ جمع الحرية الفاضلة في قوله تعالى:
{تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٩].
والطغاة من الناس من تقل مظالمهم في أيام الحكام العادلين، يخشون