للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صولتهم من جهة، ويحاكونهم في آدابهم من جهة أخرى، ولأن الحاكمين العادلين قد يسدون بحسن تدبيرهم كثيراً من الحاجات الداعية إلى ارتكاب ظلم، فالعدل يجعل الأمة في سلام داخلي؛ حيث يبث الألفة والأخوة بين الأفراد، كما يجعلها في سلام خارجي؛ حيث ينهض بها إلى أن تدافع عن كيانها وحقوقها بما تملك من قوة.

وقد تصدر المظالم من المتولي شؤون القوم، وتكون نفسه زكية، فيعرف كلمة الحق إذا ذكرت له.

وأذكر بهذا: أن الخليفة عبد الرحمن الناصر احتاج إلى شراء دار، فذكرت له دار الأيتام في حجر القاضي منذر بن سعيد البلوطي، فندب من يقوِّم الدار. ثم خاطب القاضي ببيعها منه. فقال القاضي: الدار لم يصبها وهن، ولا الأيتام في حاجة إلى النفقة، فإن أعطاهم أمير المؤمنين الثمن الذي تثبت به الغبطة، أمرت وصيهم بالبيع، وإلا فلا. فأظهر الخليفة الزهد في الدار. وخشي القاضي أن تصدر من الخليفة عزمة يلحق الأيتام منها ضرر، فأمر بنقض بناء الدار، وباع أنقاضها بأكثر مما قومت به للخليفة. فسأله الخليفة عن سبب نقض الدار، فذكر له قول الله تعالى:

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩].

فقال الناصر: نحن أولى من ينقاد إلى الحق.

ويدلكم على أن كلمة الحق من العلماء الناهضين يريدون بها وجه الله، لا تنتج إلا خيراً: أن صاحب تونس كان يكرم العلماء، ويقربهم من مجلسه. فقال لهم ذات ليلة: نحن ملوك الآن، أحسن من الملوك السابقين،