فلما وصلت إلى مصر أحضره لي الأستاذ رمضان أبو العز في فندقي الذي كنت أقيم فيه في ذلك الوقت، وهو فندق رضوان في حي الأزهر، فرأيت الرجل ذا مظهر يدل على الفقر والمسكنة وهذا ظاهر السبب، لأنه ليست لديه ثروة في مصر، ورأيته رجلًا هادئًا عاقلًا رزينًا لا يتكلم إلا إذا كانت توجد حاجة للكلام، فأخبرته بما قال ابن عمه جاسر العبد الكريم وأخبرته أنني لذلك مستعد لأن أدفع له تذكرة السفر، وأعطيه نفقة للسفر أيضًا، لأنه لا ينبغي لمثله أن يبقى في مصر دون عمل.
وقلت له: إن دكاكين الجاسر في الجهة الجنوبية من سوق بريدة الرئيسي قد أصبحت تغل غلة كبيرة وهي أوقاف مخصصة فيما أعرف لأعمال البر من ذلك نفع المحتاجين من الجاسر.
فسكت ولم يجب، ولم أتركه حتى أخذت معه موعدًا ليأتيني بعد يومين، ولكنه لم يجب لما طلبته منه وأخيرًا ألححت عليه وقلت له: إنني سآتي إلى المكان الذي تقيم فيه إذا لم تستجب لما طلبته منك.
وعندئذ أيدي إليَّ ما يكنه ضميره، قال: يا أخ محمد أنت تعرف أننا كنا نذهب من بلادنا إلى مصر عزيزين لأنه يكون معنا الماشية الكثيرة من الإبل والخيل والنقود ثم نعود إلى بريدة عزيزين أيضًا فنعطي المحتاج، ونصل القريب.
وأما الآن فإنني إذا عدت إلى بريدة فإن آل جاسر سوف يعطفون عليَّ وربما يتصدقون، وأنا لا تتحمل نفسي ذلك، التي تتطلع إلى أن أعطي الآخرين لا أن أخذ منهم.
لذلك سوف أبقى في مصر حتى يحكم الله لي بما شاء وهو خير الحاكمين، وإنني أشكرك وأشكر ابن عمي جاسر العبد الكريم على ما قدمتموه.
هذا ولم يمض بعد هذا الكلام إلا نحو سنة أو سنتين حتى توفي عبد العزيز