في الطور السابق كان القصيمي يهلل لكل كتاب في الدين تقذفه المطابع للأسواق ويتناوله بالتقديس والتقدير، ولكنه في هذا الطور ينظر إلى كثير من كتب الدين على أنها ميراث تقيل ملقى في طريق المسلمين يعوقهم عن التقدم، ولا سبيل للخلاص إلَّا بالشك والكفر بهذا الميراث كما قال:
"إن العاقل لتأخذه الحيرة البالغة متى أتيح له أن ينظر في هذه الكتب المسنة التي تخرجها المطابع تباعا ليلتهمها القراء بشره ولذة، وأتيح له أن يرى ما تحمل من جهالات، بل من جنون وخبل، ثم رأى كيف يقبل عليها ويقبلها قوم قيل: إنهم عقلاء، وقيل: إنهم مؤمنون، وقيل: إنهم خيرون بدون أن يجدوا فرصة للشك فيها، وبدون أن يجدوا أذانا تصغي لنقدها والإعتراض عليها، بل بدون أن يتركوا لغيرهم أن ينقد أو يعترض أو يشك".
ثم قال القصيمي:
"إني لأنظر إلى هذا الميراث الثقيل الباهظ الملقي في طريق المسلمين، وإلي هذه الأسفار التي تروع أعدادها ويعجز تحدادها - وما فيها مما لا يستقيم لأمة أمرها ووجودها معه - فأفزع وتذهب بي الأفكار في كل وجه، ثم تؤوب بي مجتمعة مجمعة على أنه لا خلاص إلَّا إذا استطعنا أن نكفر بهذا الميراث، وعلى أنه لا يمكن الكفر به إلَّا إذا عرفنا كيف ننزل مورثينا إياه عن هذه العروش السماوية التي صنعناها لهم على حساب قوانا العقلية والدينية ثم أجلسناهم عليها، ثم جثونا تحتهم نسبح بحمدهم ونقدسهم وننزههم عن كل ما يخطر بالبال من إثم أو نقص أو ضعف، فهل من سبيل إلى هذا؟ على أنه لا سبيل سواه؟ "(١).