يعيشوا متساوين إذا كان التطور هو الذي يصنعهم، أما إذا كانوا يصنعون بالطاقة فكيف يتساوون ما لم تتساو طاقاتهم؟ ؟ (١).
[العرب بين الطاقة والظروف]
في كتابه "هذه هي الأغلال" يبحث القصيمي سر التفاوت بين الشعوب الإسلامية المتأخرة بما فيها الأمة العربية وبين الأجناس والأمم الأخرى المتقدمة، وينتهي إلى أن "المسألة لها احتمالان أو فرضان من حيث النظر العام: أحدهما أن يقال: إن هذا التفاوت طبيعي في أصل التكوين وجبلة الفريقين، وثانيهما أن يقال: إنه تفاوت عارض له أسباب عارضة من الممكن علاجه ومن الممكن الشفاء منه.
أما الفرض الأول فليس من الممكن القول به ولا المصير إليه، وذلك أن تطور العقل البشري في جميع مراحله ومراحل وجوده، وأن تعاقب الأمم والشعوب علي عرش الحضارة وتداولها الآخذ بيد المدنية، وأن اختلاط العناصر وتمازجها، وأن ما ثبت ثبوتًا لا ينهض لهدمه شيء من استعداد كل إنسان - حسب ما يصادفه في طريقه وحياته - لأن يكون إنسانًا راقيًا مهذبًا أو إنسانًا منحطًا فاسدًا - إن ذلك كله - مضافًا إليَّ أشياء أخرى كثيرة لا يبقى لهذا الافتراض فرصة لان يكون مقبولًا قائمًا.
وهناك شيء آخر في هذه المسألة هو أعظم مما ذكرنا وأظهر: ذلك أن علماء التشريح قد أثبتوا أنه لا فرق يذكر بين جمجمة هذا الإنسان السيد الراقي اليوم وبين جماجم هذه الشعوب التي تشكو اليوم من ضعفها وهوانها، لا من ناحية الحجم ولا من ناحية التلافيف والتعقيد والوضع، فهذا الافتراض (الأول) مفروغ إذًا من بطلانه، وإذن فالافتراض الآخر هو الصحيح الواجب المصير إليه، وعليه بنينا بحثنا وكتابنا.
إن المسألة لا تعدو أن تكون تفاوتا بعيدًا في فهم الحياة وفهم سنن الوجود وفهم
(١) الآداب، العدد الثامن، السنة الخامسة، أغسطس سنة ١٩٥٧ م، ص ١٨.