هذا أن المادة التي تألفت منها أجسام هذه الأحياء وبنيت منها أعضاؤها وشيدت عليها دقائقها، مادة لم تكمل الكمال الذي يعطيها قوة البقاء في صورها ومظاهرها ولكن ليس معنى هذا أنها ليست سائرة إلى هذا الكمال وبالغته في وقت من الأوقات، ليس معنى هذا أن المادة التي صنعت منها آخذة في سبيل الانهيار أو سبيل العجز والتخلي عن حقيقتها وطاقتها.
ولكنه في هذه المرحلة اعترضته مشاكل جديدة فإن تفسير رقي البشرية بالتطور يحتاج بدوره إلى تفسير، لأن التطور حركة، من صاحب هذه الحركة؟
ثم إن مشكلة التفاوت في عمليات تطور الناس وتطور الأشياء لا يحلها القول بالتطور وإنما يزيدها تعقيدًا؟ وخرج من هذه الحيرة بالقول بالطاقة وفي توضيح هذه الفكرة يقول:
"كان الإنسان خامًا إنسانيًا يضطرب في مناجم التاريخ لا يعرف نفسه ولا يعرفه أحد ... فمن هو المارد العظيم الذي جعله يتسلق الفراغ الرهيب ليملأه بوجوده الكبير الحديث؟
لقد وجد أخيرا لنفسه تفسيرًا اطمأن إليه، قال: إنه هو التطور، ولكن التطور حركة فمن صاحبها؟ هو ظاهرة ورائها قوة تصنعها، والتطور في جميع صوره لا يعني أكثر من نشاط الطاقة.
فالحديث عن التطور مثل الحديث عن العمل لا يقصد به إلَّا أنه قوة مخلوقة لا خالقة ولهذا فإنه لا يجيء في درجة واحدة، وإنما يجيء متفاوتًا التفاوت الطاقات التي تحركه.
والقول بالطاقة يحل مشكلة التفاوت في عمليات تطور الناس وتطور الأشياء، أما القول بالتطور فإنه يؤكد هذه المشكلة، فالأشياء والناس يجب أن