ذهب الوالد رحمه الله تعالى من هنا أوقات المساغب وهو جذع، إلى بعض بلدان الخليج يتطلب أسباب المعيشة ثم صار يذهب مع أهل البحر للغياصه لطلب الدُر، وبقي هناك مدة أربعة عشر سنة لم يتحصل على شيء بل ربما كان مطلوبًا في معيشته.
ونظام الغياصة في البحر معروف عندهم فصاحب السفينة يتفق مع رجال يحملهم معه يغوصون، وهو يقوم بمصاريفهم ويسجلها عليهم، ويستوفيها من المحصول، والمحصول بينهم أنصاف حسب العادة لهم نصف وله نصف، وكل رجل يغوص يكون معه رجل آخر يسمَّى السَّيْب ينزّله بالحبل ويجذبه بسرعة جيدة إذا انتهى نفسه.
والبحر مثل البر في الخصوبة والجدب، فالموضع الذي يأتيه السيل وقت الوسم يخصب فيوجد فيه الدُّر كما يوجد الفقع في البر.
وكانوا يعرفون مواقع البحر كما نعرف البر.
وكان يوجد في البحر ماء عذب، نعمة من الله لخلقه في مواضع معروفة، عين تفور في قعره، عذبة، في أمكنة من البحر، ولهن أسماء عندهم، يذهبون إليها ويوقفون السفينة عليها ويرسونها، ثم ينزل أحدهم ماسكًا فم القربة بيده، فإذا وصلها بالقعر لقى فم القربة بالعين وهي تفور فتمتليء بسرعة ثم يوكيها ويحرك الرشا فيجذبونه بسرعة وهو ماسكها، ثم ينزل الآخر يملأ القربة الثانية وهكذا.
ثم يذهبون إلى الموضع الذي فيه المحار (الدُر) فيرسون السفينة (وصفة إرسائها ينزلون الشراع، ويقطُّون البلد (أي ينزلونه في قعر البحر) وهو