الدين، هو أمر محزن لي، وربما كذلك لأسرته أو لأفراد من أسرته.
ونحن نعرف من أحوال الناس في تلك العصور أن الفلاحين والمزارعين - على وجه العموم - كلهم أو أكثرهم من الفقراء الذين يمارسون الفلاحة، بغية الحصول على لقمة العيش التي لا تزيد على الكفاف الخشن، ولكنهم ليست لديهم أية قدرة مالية، فيذهبون إلى التجار المداينين يستدينون منهم ما يحتاجون إليه إلى وقت معين يكون في الغالب عند نضوج ثمرة النخل من التمر أو إبان حصاد الزرع من القمح وشبهه.
وقد استقر رأيي على أن أذكر تلك الوثائق لأنها لا تتضمن سبًا من السباب، بل ولا ذمًا في المدين، بل تفيد أنه قد استدان، وذلك أمر غير معيب، فقد استدان كبار الصحابة والتابعين حتى روي أن علي بن أبي طالب قد استدان من يهودي ورهن درعه عنده.
وإذا كانت تلك الوثائق التي هي وثائق المداينات هي الوحيدة التي ذكرت الشخصيات التي نذكرها فإنها تكتسب عندنا أهمية مضافة تجعلنا لا نجد مفرًا من ذكرها، ويكفي في العزاء لنفوس ذرية ذلك الشخص المستدين أن يتفكروا بما هم عليه الآن من نعمة ووفرة في الأرزاق، وبعضهم يملكون ثروات طائلة لا يصدق أولادهم أن آباءهم أو أجدادهم كانوا من المحتاجين إلى أن يستدينوا من أحد.
[التعليق على الوثائق]
من الواضح أن وثائق المداينات لا يقتصر الأمر فيها على المدين الذي هو المستدين وحده، بل يذكر فيها اسم الدائن وهذا أمر مهم من الناحية التاريخية، ويذكر فيها إضافة إلى ذلك اسم الكاتب وأسماء الشهود، وذلك كله مهم لنا عن تلك الأوقات التي لا يوجد فيها شيء مكتوب غيرها.