قال: فركبت على بعير له من بريدة مع الفجر وكان زهابي قليلا من التمر العليق أكلته بسرعة وذهبت إلى جهة جبل ساق على الوصف، وكنت أظن أنني أصله مبكرًا فوصلت مع غروب الشمس أو قال بعدها بقليل إلى محل حمود في الجواء، وقلت أنا فلان مرسل من إبراهيم اليحيى، قال: ولم أكن أرى الإبل إلا بصعوبة من الجوع.
فقال لي حمود: معك طاسة نحلب لك من الناقة؟ قلت: لا، قال: حنا ما عندنا طاسة ربما لأنها في المرعى قال فأخذ جاعدًا معي كان تحتي وقلبه والجاعد جلد مدبوغ فيه صوفه فقلبه وجعل أعلاه الذي فيه الصوف أسفله، وقال أمسك أطرافه وصار يحلب لي من الناقة وأنا أشرب بأقصى ما أستطيع من الحليب حتى تضلعت، قال: ففتحت عيوني وصرت أبصر الأشياء.
وذهبت معه إلى أهله فسمعت امرأته تطحن ذرة حمراء يشتريها الأعراب وفلاحو الأطراف لرخصها، وقدموا لنا العشاء في الليل وهو هذه الذرة مطبوخة عصيدة حلبوا عليها شاة عندهم، ولم يكن فيها إدام إلا الحليب.
قال: فلخفناها بمعنى شربنا منها بسرعة وهو يريد أنها رقيقة كالسائلة وبتنا وأنا ريان، شبعان.
وفي الصباح الباكر أخذت الناقتين ومررت باقارب لنا في شمال الخبوب أريد أن أكل عندهم شيئًا فقالوا: ها البعارين الثلاثة تبي علف ودها أهلها فذهبت بها إلى دار خالي ابن يحيى في بريدة فقالوا لي اذهب بها إلى خضيرا وضعها فيها.
قال: ورجعت من خضيرا ماشيًا وأظنه قال: حفيان ليس معي نعال.
وهذا مثال من حالة أهل نجد، قبل الحالة الحاضرة الممتازة، ولله الحمد.