من غلاء الأسعار في كل شيء وانعدام الأدهان وخصوصًا السمن والشيرج والشحم فلا يوجد من ذلك الشيء اليسير إلَّا بغاية المشقة ويكون على حانوت الدهان الذي يحصل عنده بعض السمن شدة الزحام والصياح ولا يبيع بأزيد من خمسة أصناف وهي أوقية اثنا عشر درهمًا بما فيها من الخلط وأعوان المحتسب مرصدون لمن يرد من الفلاحين والمسافرين بالسمن فيحجزونه المطالب الدولة ومطابخهم ودورهم في هذه الولائم والجمعيات ويدفع لهم ثمنه على موجب التسعيرة ثم يوزع ما يوزعه وهو الشيء القليل على المتسببين وهم يبيعونه على هذه الحالة، ومثل ذلك الشيرج وخلافه حتى الجبن القريش (وفيه) وصل عبد الله الوهابي فذهبوا به إلى بيت إسماعيل باشا ابن الباشا فأقام يومه وذهبوا به في صبحها عند الباشا بشبرا، فلما دخل عليه قام له وقابله بالبشاشة وأجلسه بجانبه وحادثه وقال له: ما هذه المطاولة؟ فقال: الحرب سجال قال وكيف رأيت إبراهيم باشا قال ما قصر وبذل همته ونحن كذلك حتى كان ما كان قدره المولى فقال أنا إن شاء الله تعالى أترجي فيك عند مولانا السلطان، فقال المقدر يكون.
ثم ألبسه خلعة وانصرف عنه إلى بيت إسماعيل باشا ببولاق ونزل الباشا. في ذلك اليوم السفينة وسافر إلى جهة دمياط وكان بصحبة الوهابي صندوق صغير من صفيح فقال له الباشا: ما هذا؟ فقال: هذا ما أخذه أبي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان وفتحه فوجد به ثلاث مصاحف قرآنًا مكلفة ونحو ثلثمائة حبة لؤلؤ كبار، وحبة زمرد كبيرة وبها شريط ذهب فقال له الباشا الذي أخذ من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا، فقال هذا الذي وجدته عند أبي فإنه لم يستأصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذ كذلك كبار العرب وأهل المدينة واغوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك.