وفي الصباح دخل سوق الرس، وكان فيه عدد من الدكاكين فمال إلى صاحب دكان، وقال بعني قهوة وهيلًا ودقيقًا وسمنًا بكذا وكذا فباعه ووضع ما طلبه بين يديه وقد كانت قيمته أربعة ريالات فرنسية لا غير فقدم عبد الرحمن بن دغيشم بندقه إلى صاحب الدكان قائلًا: أبق هذه البندق هنا عندك، فقال صاحب الدكان: أين تريد؟ قال: أريد مكة، قال: كيف تسافر بدون سلاح وحدك؟ قال: أسافر بدون سلاح ولا أسافر بدون زهاب وطعام.
فقال صاحب الدكان: خذ بندقك وأنا أصبر عليك بالدراهم ترسلها لي، وأخذ الطعام وركب ناقته وسافر إلى مكة، وفي العقيق انقطعت به الناقة عن مواصلة الرحلة فأخذ الماء والسلاح وأنزل رحله من فوق الناقة ووضعه تحت شجرة وترك الناقة العاجزة عن السير ومشي على قدميه، وبينما هو يواصل رحلته على قدميه سمع حداء رجال فأنصت قائلًا هؤلاء من أهل القصيم.
وبعد قليل لحق به الحادون وهم ركب من أهل القصيم يريدون مكة، فعرفوا ابن دغيشم وعرفهم وسألوه عن حاله فأخبرهم عن انقطاع ناقته.
ووصلوا جميعًا إلى مكة فبعث بالأربعة الريالات إلى صاحب الرس وبعد عام وجد ناقته في مكة مع رجل من أهل الزلفي اشتراها من بدوي فعرفها ابن دغيشم وخاصم من هي في يده فقال القاضي في مكة لابن دغيشم: هل عندك بينة على ناقتك؟ قال: ناقتي تشهد على نفسها ضعوها مع مجموعة من الإبل وسوف أناديها فإن جاءتني ووضعت رأسها على كتفي فهي ناقتي فوضعت مع إبل وناداها باسمها فجاءت إليه ووضعت رأسها على كتفه فحكم القاضي بشهادتها، فطلبها من كانت بيده بثمن مرتفع، فقال ابن دغيشم: لو أعطيتني كل إيلك بدلها ما قبلتها، أريد أن أعود بها إلى زوجتي في بريدة.
وتم له ما أراد، وأدركت الرجل يعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بريدة.