قربهم كانت جديدة لا تمسك الماء فيما أن شارفوا على إنهاء نصف الطريق إذا قربهم شبه خالية من الماء، وكان من بينهم عبد الله السمحان، وكان معه ابنه إبراهيم الموظف الآن بميناء (رأس تنورة) وكان آنذاك صغيرًا لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة، وكان أبوه رحمه الله حازمًا من رجالات الصحراء الذين هذبتهم الأسفار وعلمتهم الصحراء من طبيعتها الصبر والثبات ولكن أحيانًا (يبلغ السيل الزبى) فينفد الصبر.
وذلك حينما تحدق بالإنسان المخاطر ويخطر ببالي ذلك المثل العامي (الصيف غوال رفيقه) ومعناه الصيف يقتل صاحبه ويغدر به، وهذا ما حدث للشيخ عبد الله السمحان فلقد عرف خطورة الموقف، وكان الوحيد الذي يصحبه ابنه فطلبهم النزول فنزلوا وذهب هو ومفلح السبيعي يريدان الماء وكان السبيعي هو الآخر أحد أبطال الصحراء، فسافر الاثنان يريدان الماء في مكان يدعى (اللصافة) ولسوء الحظ ضلا الطريق وقال عبد الله السمحان اشتد بنا الظمأ وكنت أنظر إلى رفيقي الذي كان طبعًا أجلد مني فرأيته قد تغير لونه وبرزت عيناه فعرفت أنني مثله إن لم أكن أشد منه.
ومع كلامي صار لحلقي صوت من شدة الظمأ فالتجأنا إلى ظل شجرة وأخيرًا صرنا لا نستطيع الكلام اللهم إلا إشارات تدل على البؤس وخطورة الموقف، ولكن يا ليت هذا استمر لنا، فما مضت إلا لحظات حتى أصبحنا لا نقدر ولا على إطلاق إشارة واحدة ما أصعبها من لحظة ولكني لم أنس ابني الوحيد فاسفت وحزنت كل الحزن على مجيئي به في مثل هذه السن، فلن يبقى بعد وفاتي ووفاته من يذكرني وخرجت من عيني دمعتان حارتان أشد الحرارة، ولا شك أنهما تركتا في خدي أثرًا أشبه بالكي وبينا كنا جميعًا نفكر وخصوصًا أنا إذ كانت أفكاري تدور حول مصيري عندما يوارى التراب على جسمي فمن سيذكرني يا ترى؟ إذا أرحم الراحمين ينظر إلينا جميعًا بالرحمة والعطف فهبت