وبمطالعة تاريخ ابن بشر وغيره من التواريخ المتعلقة بنجد يتبين مدى الفوضى التي حلت بالبلاد بعد سقوط الدرعية وانفلات الأمر، فقد عدم الحاكم العام العدل الذي تجب على الجميع طاعته، وعاد بعض قرى نجد إلى التجارب والتضارب.
ولذلك عندما عاد الإمام تركي بن عبد الله إلى منطقة الرياض من منفاه ظل فترة طويلة يصارع أهل القرى والبلدان القريبة من الدرعية لإخضاعهم الحكمة، وإعادة العمل بالشريعة، وكف أيدي النّاس بعضهم عن بعض، ولم يصل حكمه إلى القصيم إلَّا بعد مدة مديدة.
ولا يتسع المجال لإيراد ذلك كله، ولكننا ننقل صفحة واحدة مما ذكره ابن بشر عن صراع الإمام تركي بن عبد الله في هذا الأمر.
قال ابن بشر:
"ثم دخلت السنة تسع وثلاثون ومائتين وألف، وتركي بن عبد الله رحمه الله تعالى في بلد عرقة محاربا لأهل الرياض ومنفوحة وأهل الخرج وصاحب ضرما وثرمدا وحريملاء وباقي بلدان نجد يكاتبونه بلا متابعة.
ثم إنّ تركي عزم أن يسطو على ناصر السياري في بلد ضرما فقصده من بلد عرقة، واستخلف فيها عمر بن محمد بن عفيصان، وليس مع تركي إلَّا شرذمة قليلة، فدخل عليه المسجد فوجده في سطحه، وكان السياري بطل شجاع، فلما عرف أنّه تركي وثب إليه فتعانقا وتناشبا ولزم كلّ منهما صاحبه، وحصل بينهما مصارعة وملازمة عظيمة، فلم يزالا حتى سقطا جميعًا من أعلى السطح إلى هابط ولم يفلته تركي حتى قتله، واشتهرت هذه القضية في نجد، وكان تركي رحمه الله له شجاعة وهمة تعجز عنها صناديد الأبطال والضراغمة الأشبال، استولى على بلد ضرما وملكها وأقام فيها.