فعلم بذلك منصور الشريدة فجاء ووجده على الأرض ممددًا استعدادًا لضربه فألقى بنفسه عليه، وقال: خلوا الضرب بي.
ولم يكن من الممكن أن يضربوا منصورًا فأوقفوا محاولة ضربه، فقال منصور اسمع يا الأمير: اسمعوا يا أهل بريدة، هذا ما له ذنب إلَّا أنه ملبِّي أي حاج، ورفع صوته بالتلبية فأطلقه الأمير إكرامًا لمنصور الشريدة.
وقال إبراهيم أبو طامي:
ومنصور الشريدة مع زهده وورعه يعتبر من أشجع أهل زمانه ولست بصدد البطولة، بل هو لا يمكن أن يصلي بتيمم، وهو من رجال الأسفار الذين أمضوا حياتهم على ظهور الجمال يطلبون المعيشة بمواشي يتاجرون بها بين الشام ونجد، ومما حكي عنه أنه يرغم رفقاءه على الصلاة جماعة ولا يمكن أن يتخلف عنها متخلف مع ما يعانون من سهر وتعب ومشقات بالغة، وله غرائب أعمال مرت به فهو يحمل في سفره قربة ماء للوضوء مفضلا وضوءه على الطعام والشراب.
وذات يوم ضلوا الماء وخشوا على أنفسهم شر الموت، ومنعه صحبه من الوضوء من قربته خوفًا عليهم من الهلاك، فكف عن الوضوء لأنه لا يحب أن يجرح خواطرهم، ولكن لما اشتد عليهم العطش أمرهم أن يتجمعوا لصلاة الاستسقاء، فاستسقى هو وإياهم وأمهم للصلاة، والزمن ليس من مواسم الأمطار، ومن ثم نشأت غمامة هطلت عليهم مطرا حتى رووا وملأوا قربهم وأوعيتهم في غير وقت نزول المطر، ولا شك أنها دعوة استجيبت. انتهى.
وأقول: نزل منصور الشريدة في فندق داود في القدس وأذن لصلاة الفجر في وسط الفندق فاستيقظ بعض الحراس وهو يريد أن يستيقظ الذين معه من أصحابه فيصلون الفجر، فقال رئيس الحرس له عندما سمعه: إيش هذا يا عم؟ ما هذا؟ فقال: هذا ذكر الله للمسلمين ماهوب لعُبَّاد الوثن.