تسير في موكب عرس لتزف العريس إلى عروسه، ثم تبارك لأخيه وإخوانه، فإنك في ذلك اليوم قد نظرت إلى الدنيا مدبرة ومقبلة، حزينة وضاحكة.
في موكب الظهيرة سرت خلف الجنازة في جمع العيون فيه دامعة، والحناجر فيه كاظمة، والقلوب معه واجفة، كل واحد من المشيعين ألجمه الحدث، وأطرقه الفاجع، وآلمه المصاب، وعلى حافة القبر، ألحد الميت في صدعه، ثم حثا الناس عليه التراب، وأقاموا عليه النصايل، وطفق القوم يلتفون على أقارب الميت يعزونهم ويدعون لميتهم بالرحمة ولهم بالصبر، فلا تسمع إلا دعاء واستغفار؟
وفي المساء كان الوجه المقبل للحياة، فالبشر يطفح على الوجوه، والضحكات تشرق على الأفواه، والموكب الجذل الفرح يشق الطريق بأبواقه وانتظامه، يقوده العريس السعيد، الذي تستقبله روائح العود، ونثير الورود ونفحات الطيب، ثم تدخل مع الداخلين، فتشرب الفنجال وتتناول الطعام وبعدها تضحك مع الضاحكين، وتسمر مع السامرين، ثم تنسي - وأنت تعيش الساعة الواحدة - أنك قبل فترة قصيرة كنت تعيش الساعة الثانية عشرة! (١).
رواية عن جدي إبراهيم بن عبد العزيز الطويان توفي عام ١٣٤٠ هـ تقريبًا، وكان جدي رحمه الله، من تجار الإبل في الزمن السابق، وفي فترة من الفترات كاد أن يفلس لكثرة ما نهب المغيرون من رعاياه، في أزمنة الفوضى التي سادت البلاد، لانعدام الأمن وتنازع القبائل، قبل توحيد البلاد، فما كان منه إلا أن اتجه إلى الزراعة، ويقول الراوي: إنه كان يقف بجانبه، عندما غرس إحدى فسائل النخل، وحين أتم مهمته، هزها بيده، وهو يقول:"هذه التي لا يحل القوم عقالها"! .