وكانت أسرتنا تصنع البارود أي تقوم على ذلك وإلا فإن الذي يتعبون عليه هم عمال أقوياء لأنه يقوم على خلط الكبريت الأصفر بنسبة ١ إلى ٦ والفحم أيضًا بنسبة ١ إلى ٦ لملح البارود الأبيض، تخلط هذه الأجزاء الثلاثة وذلك بأن يدق الكبريت الأصفر وحده والفحم وحده وملح البارود وحده، وهو أهونها دقًا ثم تخلط هذه الأخلاط الثلاثة وفق طريقة معقدة وتجعل في نقابر جمع نقيرة - وهي الصخرة الضخمة من الصخر الصلد التي تنقر فيها حفرة يوضع فيها ذلك المزيج، ثم تدق بعمد - جمع عمود - ضخمة من الحجارة الثقيلة، ولابد من أن تكون تلك العمد من المرو وهو الحجارة الصلدة التي تشبه المادة القريبة من البلور أو تكون من حصاة واحدة ملساء، ويدقها العامل القوي لمدة طويلة، ولابد من أن تثري أي يضاف إليها الماء لئلا تتطاير عند الدق.
وبعد ذلك (يقطع) أي ينخل (بثلاثة) مناخل، كل واحد منها أضيق فتحات من الأخر وآخرها هو الأضيق دقة، وفي هذه المناخل يتدحرج البارود بعد أن يكونوا وضعوا عليه ماءًا بمقدار معين وينشر في الشمس بسهولة حتى يجف ويكون بذلك بارودًا محببًا - أي ذا حب يشبه الحبة السوداء.
كان أول ما بدأ (آل عبود) بعمل ملح البارود أن جماعة من بني زيد أهل شقراء جاءوا إلى بريدة ونزلوا بجوار عم والدي وصاروا يدقون ملح البارود ويبيعونه يتكسبون بذلك، فعرف طريقة صنعه منهم، وصار يعمله بصفة قليلة.
أما هم فإنهم اشتغلوا بالتجارة لأن بريدة كانت مركزًا تجاريًا لنجد فتركوا (دق الملح) وباعوا أدوات صنعه على عم والدي عبد الله العبودي، وبذلك صار جدي ثم والدي وكذلك أبناء عمنا يصنعونه في وقت القيظ يحضرون العمال لذلك.
وكان مربحًا جدًّا، إلا أن سوقه القوية تكاد تنحصر في وقت مهاجرة الطيور في الخريف والصيف الذي هو الربيع.