كان القصيمي ظاهرة لافتة آنذاك، وكانت طروحاته تتميز بالقوة والجدة، ومن كتبه التي تفاخر بها عدد من علماء السلف في السعودية وتأسفوا كثيرًا على عدم استمراره في كتابة أمثالها (الصراع بين الإسلام والوثنية)، الذي اعتبر آنذاك من أقوى الكتب التي الفت للدفاع عن الإسلام كما أن كتبه الأخرى غلبت عليها النزعة السجالية، ويبدو أن القصيمي كان جادا في طروحاته، فإذا ما تبين موقفا فإنه يدافع عنه بقوة ويهاجم مناويه بعنف وشراسة، ومع أن أفكاره كانت تتسم ببعض الثراء والتنوع إلَّا أن لغته ظلت استطرادية، وكان مثل أبناء جيله يرى أن الكتب لا تصبح ذات قيمة ما لم تكن ضخمة توحي بمقدار ما بذل فيها من جهد وجد، وهي نقطة أسلوبية غلبت على كتاباته بحيث كان يكثر من الإعادة والتكرار والهوامش.
لقد كانت بشائر هذا الرجل توحي بمستقبل العالم ديني قوي ومتمكن وصاحب حجة منطقية، ولو استمر على منواله لأصبح عالمًا بارزًا في ذلك التيار، ولعل بعض لداته تأسفوا على عدم استمراره وبعضهم فرح بغياب منافس قوي، ولكن المؤكد أن القصيمي يشكل ظاهرة عجيبة تثير التساؤل والحيرة، خاصة أن الذين كتبوا عنه لم يشيروا إلى أسباب تبدل طريقه، بل تجاهلوا هذا الأمر كلية، ويحق لنا أن نتعجب من رجل يكتب في عام ١٩٣١ م كتابًا بعنوان (البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية) يجيء بعد خمسة عشر عامًا بكتاب يحمل عنوان (هذي هي الأغلال) ولا شك أن بدايات انحرافه بدأت قبل ظهور هذا الكتاب فهو نتيجة لها وثمرة شكلها.
ويبدو أن طبيعة القصيمي الحادة هي التي تدفع به نحو أقصى الحدود، فهو لا يعرف إلَّا الأشياء وأضدادها وقد غاب اسمه في الفترة الأخيرة، ولم يعد في العقدين الأخيرين يذكره أحد تقريبًا، رغم أن القاهرة مزار المثقفين السعوديين وغيرهم، ثم تكالبت عليه الأمراض حتى قضى نحبه مغلقًا بذلك صفحة لا يعرفها إلَّا من عايشوا بداياته وتابعوا تبدلاته ومنهم حمد الجاسر وعبد الكريم الجهيمان وعبد العزيز التويجري الذي