الإقلاق الفكري أحد أهدافه الكبرى سواء في أحاديثه ومناقشاته الكلامية، أم في مقالاته في الصحف والمجلات، يقول في تمهيده لمقالته عن "طاقة الحياة أم إرادة البقاء"(١).
القلم الذي نحتاج إليه هو الذي يثيرنا ويتعبنا، وليس الذي يتحول إلى هتاف في الأسواق وإلى تشجيع متكرر للانفعالات الحانقة الضاربة في الفراغ كما تصنع أقلام كثيرة.
لا يحتاج القارئ العربي إلى أن تثار مشاعره فحسب، بل هو محتاج إلى أكثر من ذلك، محتاج إلى تعقيل هذه المشاعر وإلى تشييد خزانات ضخمة لها التحفظها من التبخر والتسرب والفيضان في شكل سباب وادعاء وصياح وتفاؤل بليد يصنعه العجز واليأس من مجاراة الأقوياء.
أفضل ما يجب على كتابنا اليوم أن يخرجوا بفكرة عن الراحة والاستقرار إلى مخاطر التعب والقلق - أن يثيروا أشواقه إلى المجهول، وإلى الأسفار البعيدة، ويعلموه القفز فوق الحواجز وعرض اللجج، ويشككوه في قيمة الإعجاب بالنفس والوقوف عندها.
لقد آن لوعينا أن يمل الإقامة الدائمة في مكان واحد، إنه من غير تحرك زماني لا حياة ومن غير تحرك فكري لا حضارة، استراحة الفكر آفة تتصيد الهاربين من التعامل مع الأحداث إذا استراح فكر أمة انتهى تأثيرها في التاريخ، الفكر كائن يعيش بالاحتمال، فهو ينمو بالارتحال والمغامرة ويضمر بالوقوف والخوف.
نحن الآن نعاني قلقا انفعاليًا خطيرًا ولكننا لا نعاني مثله في تفكيرنا، وإذا لم تتناسب الانطلاقات الفكرية والعملية لمجتمع من المجتمعات مع انطلاقاته العاطفية أصبح كالجيش الذي يفجر أسلحته في معسكراته ولا يصوبها إلى الأهداف الخارجية.