إلى أن يجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يجدوا في صدورهم حرجاً من أن يقولوا باجتهاده، فرميهم بأنهم يرون رسالة الرسول أمراً يتعارض مع بشريته، لا يصيب غرضاً، ولا يجدي في تحقيق هذا البحث العلمي كثيراً ولا قليلاً.
يقول الكاتب:"وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع رسالته، وقبل رسالته بشراً"، وكذلك يقول الدكتور زكى مبارك في مقاله المشار إليه آنفاً:"كان محمد إنساناً قبل أن يكون نبياً"، تواردت خواطر الشيخ الكاتب، والدكتور على حشر هذا المعنى في الكلام عن تفكير النبي - صلى الله عليه وسلم -، والقوم - كما رأيت - لم يقولوا قولًا يمس بشريته الفاضلة بشيء.
يقول كاتب المقال:"ولم يشأ الله أن يرسله حتى بلغ أربعين عاماً؛ لتنضج بشريته، وتكمل رجولته، فلا تطغى عليها الرسالة، ولا تسلبها خصائصها".
ونحن يمكننا أن نفهم أن من حكمة إرساله - عليه الصلاة والسلام - في سن الأربعين أن تطول مدة مشاهدة قومه لأحواله قبل الرسالة، حتى إذا عرف بينهم بالصدق والأمانة ونقاء السيرة، كان نظرهم في آيات رسالته أيسر، وقبولهم لدعوته أقرب، وإلى هذا يشير قوله تعالى:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[يونس: ١٦].
ويمكننا أن نفهم أن من حكمة تأخير إرساله إلى بلوغه هذه السن: كمال استعداده لأداء الرسالة عامة، ففي الأربعين تكون النفوس قد أخذت كمالها الخلقي من أطرافه، وبلغت في قوة إدراك الحقائق غاية قصوى.
نستطيع أن نفهم هذا وذاك، ولا نستطيع أن نفهم كيف تطغى الرسالة على البشرية، وتسلبها خصائصها، فهل تطغى الرسالة على البشرية، وتسلبها