الحديث عن هذه الوجوه الغامضة، والمعاني غير المألوفة، فإنكم تجدونها مبسوطة في كتب التصوف، وبعض المؤلفات في علم الكلام.
وممن ذهب في مثل هذه المقالات مذهباً وسطاً: ولي الدين العراقي؛ حيث قال في كتابه "الأجوبة المرضية": "أما ابن العربي، فلا شك في اشتمال "الفصوص" المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك "فتوحاته المكية"، وينبغي عندي أن لا يحكم على ابن العربي في نفسه بشيء؛ فإني لست على يقين من صدور هذا الكلام منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته، ولكنا نحكم على هذا الكلام بأنه كفر".
لبس الزنادقة لباس الزهاد والوعاظ، وحاربوا الإسلام من طريق التأويل، وحاربوه من طريق ما يسميه الصوفية: حالاً وذوقاً، وبالغوا في الاعتماد عليه حتى جعلوه من قبيل دلائل الشريعة، وهذا ما يرده ابن السبكي في قوله:"مسألة الإلهام ليس بحجة". بل طغى بهم العبث أن جعلوا دلالة الذوق فوق دلالة النصوص، وقالوا: إذا تعارض الأمر والذوق، قدمنا الذوق على الأمر، ومما يقوله بعض هؤلاء المضلّين:
يا صاحبي أنت تنهاني وتأمرني ... والوجد أصدق نهّاء وأمّارِ
فإن أُطعك وأعصي الوجد رحت عم ... عن اليقين إلى أوهام أخبار
وبنوا على هذا الزعم: أن الصوفي يتلقى أحكاماً سماوية من غير هذه الشريعة، وقالوا: إن الصوفية أباحت لهم أشياء هي محظورة على غيرهم، وتوسّلوا بهذا إلى أنْ أدخلوا في الإسلام صوراً من الباطل غير قليلة.
ويتصل بهذا الذي يصنعه الخاطئون قولهم: إن الولي إذا بلغ في القرب من الله منزلة عليا، سقطت عنه التكاليف جملة، وقالوا: إن التكليف خاص