للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما اللسان إلا مرآة تمثل خواطر العقل، وتنقل مداركها من شعور إلى شعور. والمرآة إذا تكور سطحها، أو تجهم وجه زجاجها بغبش، أخذت الصور على غير نظامها، وعرضتها في أشكال غير مطابقة.

كذلك اللسان إذا ألقت عليه الفَهاهة أثقالها، وشدت عليه اللُّكنة عقدتها، فإنه لا يحتفظ بما يمليه عليه الفكر من المعاني، فيضبطها من سائر حواشيها، بل يوديها في مثال شخص حذفت بعض أعضائه، أو تخاذلت هيئته، فتصوب رأسه إلى أسفل، وتصعدت قدماه إلى أعلى.

فمن العلوم ما يرجع إلى إصلاح النفوس، أو تكميل العقول؛ كعلوم الشريعة، وصناعة المنطق والتاريخ.

ومنها: ما يرجع إلى تقويم اللسان، وتهذيب صناعة الكلام؛ كعلوم اللغات وآدابها.

ومنها: ما يتخذ في وسائل الحياة، والتفنن في أساليب العمران؛ كالهندسة والطب والطبيعيات.

أصبحت مزية العلم في جلائها وشهرتها مثل فلق الصبح، لا يسع أحداً جهالتها، فيكاد بسط العبارة في هذا الصدد يلحق بإسهاب المقال في المعاني المطروحة على البداهة عند العامة والأطفال، ولكنا نستوقف النظر برهة في تفاضل العلوم في أنفسها، ونعرِّج على الوجه الذي كان به العلم ركنًا من أركان السيادة.

تتفاضل العلوم بحسب أهمية ثمرتها، أو عموم نفعها، أو قوة براهينها، أو شرف موضوعها, كاللغة تفضل على المنطق بعلو ثمرتها التي هي فهم دلائل القرآن والحديث، وكالفلاحة تفضل على معرفة الصياغة بعموم نفعها،