للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والهندسة تفضل على علم الهيئة بقوة براهينها، ومثل التوحيد يفضل على

الفقه بموضوعه، وثمرته، وبراهينه.

قد تقوى عناية قوم ببعض العلوم، فيجعلونها الغاية في الشرف، ويفضلون العارف بها على من قام بغيرها من العلوم، وإن كان أعلى حكمة، وأقرب وسيلة إلى السعادة، فيرفعون في بعض العصور أو البلاد مقام حافظ اللغة على مقام حافظ الحديث، ويؤثرون العارف بالمنطق على القائم بعلم الفرائض، ويفضلون صاحب البلاغة على العالم بالفقه.

وكان للفقه عند أهل الأندلس المقام الأعلى، حتى إذا أرادوا تعظيم الملك أو الوزير، لقبوه بالفقيه، وربما دعوا به النحوي أو اللغوي؛ حيث قصدوا إجلاله؛ لأنه أشرف الألقاب في ندائهم.

وقد يأخذ العلم اعتباراً لدى الشعب ورواجاً، إذا كان له مساس بتصرفات الدولة؛ كعلم العربية في قوم يكون لسان دولتهم عربيًا، ولرجال الدولة اهتمام بفصاحة الرسائل، ورفعة أسلوبها.

قال ابن السبكي في "طبقاته": كان محمد بن برّي المولود عام ٤٩٩ متوليًا أمر التصفح في ديوان الإنشاء، وذكر أن الكتب لا تصدر عن الدول إلى ملوك النواحي إلا بعد أن يتصفحها إمام من أئمة اللسان، وإن القاضي الفاضل كان يتصفح الكتب التي يكتبها العماد، ومن كان دونه.

فمثل هذه العناية يكون له مدخل قوي في الإقبال على علوم العربية، والتنافس في صناعة الإنشاء.

يثبت الشرف للعلم في اعتبار الإِسلام من جهة أنه يثمر عملاً نافعاً، فإذا لم يكن له أثر في عمل يشكر، فإما أن يعد ضرباً من المباح؛ كمسائل