للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاعتذر عن إعطائه المبلغ، فقال له أحد أبنائه: إن هذا الرجل ووالده أعزاء عليك ونراك تعطي غيرهم القرض، فقال: يا بني إن هذا الرجل يدخل عليه بعض أموال لا أرغب خلطها بمالي ولذلك لم أعطه فعرف ابنه السر.

ومن ورعه رحمه الله أنه لا يطعم عند من يتعامل معهم بالدين أو القرض البتة، حدثني ابنه عبد الله قال:

ذهبت مع والدي مرة نريد البدائع، فلما خرجنا من بريدة بعد صلاة الصبح أخرج لي تمرات من جيبه، وقال: كلها فأكلتها ثم أخرج لنفسه مثلها فأكلها، وكان رحمه الله سيمر ببعض من يتعامل معهم بالدين أو القرض ولا يريد أن يطعم عندهم، ويتحاشى الكذب بأن يقول قد طعمنا، وهو لم يطعم فطعم هذه التمرات، وأطعم ابنه مثلها عن الحنث بالكذب عندما يعتذر من أكل طعام الناس وقصده بذلك رحمه الله الورع والتعفف والبعد عن شبهة جر المنفعة في الدين والقرض لعملائه.

قال ابنه عبد الله: فمررنا بأحد المزارعين وطلب من الوالد أن يطعم عنده فرفض، وقال: قد فكينا الريق، ثم مررنا بقرية أخرى فطلب منه صاحبها مثل الأول فقال قد فككنا الريق، قال عبد الله: ولما وصلنا البصر طلب منه أحد المزارعين أن يقدم له شيئا من الطعام، فقال قد فكينا الريق وهو بذلك صادق لكنه لم يأكل قوتًا يكفيه، ويكفي مرافقه ابنه، يقول عبد الله: فنظرت فإذا وجهته البدائع وأننا لن نصلها إلا بعد ساعتين أو ثلاث وأننا لن نصلها إلا وقد أنهكنا الجوع والتعب فقلت للمزارع: يا عم إنه يقول قد فكينا الريق ولكن بتمرات وأنا جائع.

قال: فغضب والدي علي وقال فضحتنا، وكان لا يريد أن يعرف أحد سره بذلك.

ولقد كان رحمه الله يخص طلبة العلم والعلماء ببره وإحسانه، فكأنه والد للجميع، وكان منزله ملجأ لهم فيقدم الطعام والشراب في كل يوم لعدد منهم،