وهناك مثل يدل على قوة شكيمته وعظمة حيلته وبعد همته وهو قولهم للشيء الذي لا ينقضي أو لمن ذهب ولم يعد (روحة مهنا) وذلك أن مهنا الصالح أبا الخيل هذا يكون أمير القافلة التجارية أو التي تذهب للحج فيمر بمشايخ الأعراب فلا يعطيهم ما يريدون، وأحيانًا يتخلص منهم فلا يمر بهم، وفي مرة من المرات أمسكوا به ولم يكن معه من الرفقة إلَّا عدد قليل فأمسك به أمير القبيلة في ذلك الوقت وطلب منه الإتاوة التي يأخذها على أمثاله، فاعتذر بأنه ليس معه شيء من النقود كافٍ، وكان ذلك صحيحًا، وطلب من البدوي أن يطلقه حتى يحضر له ما يريد منه.
فأجابه: بأنني أعرفك يا مهنا، لذلك لن أطلقك حتى تعطيني ما أريد، وسوف أرهنك وأترك أصحابك يبلغون قومك ويعودون بالنقود، ولن يضيق بك البر حتى ذلك الموعد.
ثم أطلق مرافقي مهنا واعتقله عنده، فلبث أيامًا وكان الوقت شتاء طويل الليل وبخاصة في شمال الجزيرة على حدود العراق.
فلما كان في الليل قال مهنا للحارس الموكل بحراسته إنني أريد أن أقضي بعض الحاجة، وكان على مهنا ثوب أبيض قد لبسه فوق ثيابه المعتادة اتقاء للبرد فيما يظهر للحارس ومعه عصاه الذي لا يفارق المسافر مثله.
فابعد مهنا قليلًا في الخلاء ثم خلع ثوبه الأبيض، ونصب عصاه، ووضع ثوبه عليه، وانطلق هاربًا في ظلام الليل على قدميه.
أما الحارس فإنه ظلَّ ينتظره يظنه لا يزال يقضي حاجته لأنه كان يشاهد ثوبه الأبيض فيظنه هو.
فلما أبطأ عليه قرب منه فلم يجد إلا العصا، فأخبر أمير الأعراب ومن معه فضحكوا منه وقالوا: هذا الحضري أين يذهب في هذا الليل البهيم المظلم؟ لابد من أن