الصغير أكثر شعراء الحماسة النجديين إنتاجًا شعريًّا وأكثرهم أيضًا بحورًا للعرضة، وذلك بدافع من الوطنية الضيقة التي لم تحسب للأمور حسابها ولم تزن النتائج بموازينها الصحيحة، فظنوا أن المستقبل معهم إذا كانوا فكروا في المستقبل، وكان لديهم تصور له.
ولكن محمد العبد الله أبا الخيل ومن معه لم يدرسوا طبيعة بريدة وحالها في السلم والحرب فالجميع يعرف أن أهل بريدة من أسرع أهل نجد إلى النفرة للحرب حتى قال بعض الذين يغارون منهم في هذا الأمر:(أهل بريدة طياشة).
ولكن أهل بريدة ينطلقون في ذلك من معرفتهم بطبيعة بلدهم والتوابع لها من القرى والهجر والبلدان الصغيرة والمزارع الواسعة والنخيل المفرقة خارج سورها.
ولو عرفوا ذلك لعرفوا أن أهل بريدة لا يمكن أن يصبروا على الحصار وإغلاق المنافذ عليهم لأن نخيلهم وأملاكهم، بل وقومهم الذين يعيشون في ملحقات بريدة لن يستطيعوا الصبر على عزلهم عن بريدة، بل ينتظرون الفرج من غزو أهل بريدة بأن يظهروا منها ويخلصوهم من الغزاة، فبريدة إذا حوصرت أضر بها الحصار وإذا استمر عليها الحصار كان ذلك بمثابة الهزيمة لها لأنه يحول بينها وبين ضواحيها من الحبوب والقرى القريبة.
بل تبقى تلك القرى والخبوب تحت الفوضى إذ لا يستطيع من يحكم بريدة أن يشملها بإدارته إذا كانت بريدة محاصرة بجيش له اعتبار.
وهكذا صار أهل الخبوب واقعين تحت اعتداءات من بعض الأعراب وأناس من جهلة بعض البلدان المجاورة الذين كانوا يظهرون أنفسهم بمظهر الجيش المحارب الذي يحارب بريدة وأهلها مع الملك عبد العزيز، وأحيانًا لا يرون حاجة لذلك بل يشعرون الناس بأنهم من جنود الفوضى الذين لا يجدون من يردعهم عن الفوضى، بل لا يجدون من يردهم عن جرائمهم.