والعض .. وكان بعض الناس يعتقدون أنه بدأ يتصرف كالحمار بسبب السنين التي قضاها بمصاحبته ...
إنها (الهدام) رواية الصحراء .. الصحراء التي لا تبقي أثرًا، والتي تتآمر على ممتلكاتها .. من سنوات عجاف إلى زخات متواصلة .. في سنوات القحط يموت كل شيء ويتغير، وتزداد النفوس شراهة للحرب والغارات .. تشم رائحة الدم والبارود وتبدأ أغاني الحرب والموت .. وتتفكك المخالفات والمعاهدات، والجميع يتآمر على الجميع، حتى الحيوانات والحشرات تحارب لتستولي على ما لدى الآخرين .. أما في سنوات الغيث تتحول الأنفس وتميل للسكينة والكرم وتغدو جميع الشروط مقبولة .. يقول بطل الرواية: كل شيء يأتي في هذه الصحراء بقوة حتى الموت والحياة وعندما يأتي فإنه يدمر المعادلة الأساسية فيها (يا ظالم يا مظلوم) وإذا قامت الصحراء بتجربة العدالة فإنها تنسلخ عن لونها وتتخذ شعارا جديدًا لا يلائم ملامحها ..
وتنتهي الرواية مع تمام الأربعين يومًا حين اختفت السحب وعاد الناس إلى منازلهم، لكن النهاية مفتوحة .. فالناس تنتظر هدامًا أخرى ستأتي كما يتبصر الراوي .. فبعد عقود أخرى أثناء الهدام الأخيرة كان الجدل يدور على أشده حول سؤال يقول: هل يجب على المرأة أن تتحجب عن القمر؟ .. وفي الخاتمة، هناك شيخ عجوز كان من أبطال الهدام الأولى، يجلس في زاوية الطريق بين المارة ويهذي: القمر صخرة تعكس ضوء الشمس، ثم قام وقال: أيها المعذبون الجدد يا أبناء المعذبين القدامى أوقفوا زحف الرمال واقتلوا الصحراء أولًا! !
لم تكن الرواية من النوع العادي بل تحفة فنية بديعة، رغم ما شابها في مواضع قليلة من أخطاء ثانوية وارتباك في الصياغة تحتاج مراجعة من ناحية التحرير الكتابي فقط .. وفي كل الأحوال، فإن تلك النهاية المفتوحة تجعلنا نأمل أن ثمة رواية أخرى قادمة من هشيم الصحراء، الذي يقول: عندما ينظر الناس إلى السماء مرة واحدة، ينظرون أيضًا إلى الأرض مرتين لأنها البداية والنهاية.