وتحدث إليَّ الأستاذ صالح الدوسري (١)، فقال:(كان الأخوان محمد السدرة، وعبد الرحمن النودل مثالًا للشباب الصالح المنتج، وهما من طلاب حلقة من حلقات جماعة تحفيظ القرآن الكريم ببريدة، يحفظ الأول ستة وعشرين جزءًا، ويحفظ الأخر عشرة أجزاء من القرآن الكريم، وكانا يساهمان مساهمة جدية في المراكز الصيفية، ومخيمات وزارة المعارف، ولهما تأثير نافع في وسطهما، والأخ محمد السدرة، في المستوى الأول بكلية الهندسة، جامعة الملك سعود بالرياض، أما عبد الرحمن النودل، فطالب بالثانوية العزيزية ببريدة.
وفي شهر رمضان توجه الاثنان إلى مكة للعمرة مع ثلاثة من زملائهم هم: عبد العزيز الوشمي، وعبد الكريم الحبيب، وعبد الحكيم الغنام، وقضوا العشر الأواخر من رمضان بمكة، وقد اجتمعت بهم يوم ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين في الحرم - الحديث للأخ الدوسري.
وبعد صلاة الفجر من يوم تسعة وعشرين قال لي الأخ عبد الرحمن النودل: أريد أن أمتحن حفظك قلت له: أسمعك سورة (يونس) قال، لا، بل سورة (القمر) وابتدأت السورة من أولها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} وختمتها {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} وما أن أتممتها حتى دخل علينا أحد الزملاء، وأخذ يجاذبنا الحديث، وقد وقع الحادث بعد خمسة وثلاثين ساعة تقريبًا من هذا الموقف! وحين أتذكر إصرار الأخ عبد الرحمن عليّ اختيار هذه السورة بالذات، أعجب في نفسي وأترحم عليه، فسبحان الذي وقت الآجال، وقدر ساعات كل إنسان على هذا الكوكب، وقد صلى الخمسة صلاة العيد بالحرم الشريف، وتوجهوا عند الظهر إلى بريدة، وحين خرجوا من الطائف وتجاوزوا الحوية فاجأهم قدرهم المحتوم عصر ذلك اليوم، حيث تمزق العجل الأمامي، فاختل توازن السيارة، وانقلبت، فتوفى الله الأخوين:(السدرة) و (النودل) رحمهما الله، وأصيب الأخ
(١) شاب فاضل، على درجة كبيرة من الوعي والاستقامة، يعمل مدرسًا وإمامًا لأحد مساجد حي الصفراء ببريدة.