حدثني عبد الرحمن بن محمد النويصر الملقب العيش عن واقعة حدثت له، قال: كنت مرة فلاحًا في ملك الرسيني في الصباخ، وكان عبد الرحمن الصالح الرسيني هو الذي يدايني فلم أوفق وركبني من الذين ما زاد على ثمانية الآلاف ريال، وهي مبلغ كبير في ذلك الوقت، ولم يستطع الرسيني أن يعطيني أكثر فاتفقت معه على أن أخرج من الفلاحة وأترك كل ما فيها لي من إيل وعلف ونصيب في الزرع مقابل الدين، وذلك بعد أن قام جماعة من أهل الصباخ بتثمين ذلك.
فخرجت ونحن في أول الصيف، وأنا لا أملك شيئًا من المال استطيع أن أشتري به وجبة طعام واحدة لأسرتي التي كان فيها والدتي وزوجتي وأختي وطفلة صغيرة لأختي، وانتقلنا إلى بيتنا في الصباخ وكان خاليًا من كل شيء، وعللنا النساء والطفلة بإيقاد نار في سعف ليناموا فناموا بدون عشاء.
وقبل منتصف الليل بقليل كنت في سطح البيت وحائطه قصير فأبصرت رجلًا على حمار مقبلا علينا، فعجبت منه في هذا الليل، ثم سمعت من يطرق الباب وكنت سهران من الهم والجوع فإذا به رجل على حمار وهو يخفي وجهه والوقت ليل فناولني (محدرة) وهي وعاء من الخوص كالزنبيل مليئة بالقمح، ولم يتكلم معي بكلمة وصد عني بوجهه مع أنه ملثم، وذلك من أجل ألا أراه فهو يريد أن يخفي نفسه.
قال فأسرعت أحث المرأة على طحن العيش، وكانت الرحا مهجورة منذ مدة فلم نصبر حتى على تنظيفها فطحنت قليلًا ثم سوته (مراصيع).
وأكل الجميع وأنا لا أعرف من الرجل ولا لماذا أعطاني هذا العيش.
قال: ثم استدنت أجرة الركوب إلى الرياض ولبثت مدة أشتغل حرفي ولا ناسبني، فذهبت للكويت وصرت آخذ مع بعض الجماعة أعمالا للبناء ونحوه (قطوعة) فحصلت على بعض المال وعدت إلى بريدة فأوفيت بعض ما علي وأكلت أكثره.