القصور في البدائع، فقال لهما صاحب القصر: أنا لا أعرفكما وعلينا خوف من اللصوص فلم يفتح لهما.
ثم طرقا قصرًا آخر فقال لهما مثل ما قال الأول، ثم طرقا قصرًا ثالثًا فاعتذر عن إدخالهما، ولكنه دلهما على قصر من سيفتح لهما، فقال لهما: ذلك قصر أبي يوسف العريني فاقصداه فربما يعرفكما ويفتح لكما، فقصداه، وكان يوسف من تلامذة الشيخ محمد ومن المحبين له وولده أبو يوسف من المحبين للشيخ محمد ويوسف يعرف صوت الشيخ عمر فطرقا عليه الباب، فتكلم وقال: من طارق الليل؟
فقال سليمان الوهيبي: هذا الشيخ عمر بن سليم ورفيقه سليمان الوهيبي: فقال يوسف العريني: خل الشيخ عمر يتكلم لأني أعرف صوته فلما تكلم الشيخ عمر عرف صوته، ففتح لهما وبادر بإشعال النار لتدفئتهما، وأخذ ملابسهما التي قد بللت من المطر وجففها على النار، وعمل لهما القهوة والحليب والشاي، وقدم لهما ما تيسر من الطعام الحاضر.
ولما كان بعد قليل حضر أبو يوسف لصلاة التهجد ليلًا كعادته رحمه الله، وكان ابنه قد دخل للبيت لإحضار شيء منه، فوجد أبو يوسف الشيخ ورفيقه، وسلما عليه ولكنه مع الظلام لم يعرفهما وهما لم يقدما له أنفسهما، فلما حضر ابنه يوسف قال: يا والدي أرأيت هذه الليلة المباركة التي جاء فيها الشيخ عمر ورفيقه؟ فقال أبو يوسف: الشيخ عمر؟ كالمستفهم - أين هو؟ قال ابنه: هو هذا الذي بجانبك، فقام أبو يوسف فزعًا وعانق الشيخ عمر معانقة حارة، وصار يبكي ويضمه إلى صدره ويقبله، ثم أجلسه في مكانه وكان أبو يوسف يكبر الشيخ بما يزيد عن ثلاثين سنة ولكنه تقديرًا للعلم والعلماء وإكرامهم ممن يعرف لهم ذلك فجزاه الله أحسن الجزاء وبارك في عقبه.