للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتصل بي أحد الأخوة منذ زمن ليس بالبعيد وذكر لي أن هناك صديقًا له لديه والد قد طعن بالسن وبلغ من الكبر مبلغه، ويعزم إيداعه لدى إحدى الدور والمصحات هربًا من خدمته وبره، وطلب مني أن أزوره وأثني عزمه.

فذهبت إليه وقابلته وإذا هو رجل على مشارف الخمسين من عمره ووالده قد تجاوز الثمانين سنة تقريبًا، قد فقد بصره وانهكته الشيخوخة فسألت ابنه هل لديه خلل عقلي تخشى عليه من نفسه؟ قال: لا، قلت له: هل يعاني من أمراض يحتاج إلى علاج ونحوه؟ قال: لا، فأخذت أذكره بحق الوالدين ووجوب البر وإن مغبة العقوق وخيمة والجزاء من جنس العمل. الخ.

فارعوى وبكى بكاءً شديدًا ثم احتضن والده وقبل رأسه وطلب منه العفو والصفح وضج الجميع بالبكاء، وطلب مني ستر الموقف فأجبته لذلك.

وقبل أيام مر بي موقف شبيه بالأول فذكرت ذلك الموقف الرهيب بين الولد ووالده وتأثرت فجادت القريحة بهذه الأبيات المعبرة وجعلتها على لسان حال الوالد مع الرمز للولد باسم (زيد) وتذكيره بما ضيعه، راجيًا من الله أن ينفع بها وأن يجعل العمل صالحًا ولوجهه خالصًا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

بني ترفق فالحياة مراحلٌ ... وقاك إلآهي شر تلك اللياليا

بني أنا ضيف لديكم فأحسنوا ... ضيافة شيخ أصبح اليوم خاويا

بني أنا المسكينُ عندك قد رمى ... بي الدهر فانظر ما عليّ وماليا

تذكرتُ أيام الصبا يوم أنني ... شبابٌ على البيدا يجوب الفيافيا

جسورٌ ومقدامٌ لنيل مطالبي ... وذ وهيبة يحتاط مني الأعاديا

واسعى لكسب المال في كل وجهةٍ ... وكم ليلةٍ يا زيدُ قد بتُ طاويا

وكنتَ صغيرًا في سرورٍ وغبطةٍ ... وتَرفلُ في ثوب الصبابه زاهيا