عزيزي ... إن أنس فلا أنسى إذ هبيت من نومي ذات يوم منهوك القوى وأجم الفكر متوتر الأعصاب، قد راودني كابوس الصداع فأثقل كاهلي ووضع عليَّ وزري، الذي أنقض ظهري وخفض لي ذكري، وقال لي إن مع العسر عسرا، إن مع العسر عسرا (أي في ذلك الصباح).
لذلك انتبهت وفوق ذلك كالسكران عند أبي حنيفة: لا يعرف الأرض من السماء ولا ثوبه من ثوب غيره، مع أزيز في حلقي ونشيج في جوانحي ودوي في مسمعي واضطراب عنيف وتجلجل صلف في عروق راسي كأنما أقسمت جهد أيمانها لتمثلن حبال السحرة وعصيهم الخ طلائع الزكام والصداع.
صليت صلاة أخاف الله من تقصيري بها وأنحى باللائمة على أعضائي فكان ما بجميع جسمي من جاذبية قد تحول إلى رأسي فهو يحاول باجتهاد مستمر السقوط إلى الأرض عند سجودي.
بعد الصلاة رجعت إلى مثواي يدفعني الصداع إلى أسفل بالضغط الرازح وجاذبية مثواي تجرني جرًا عنيفًا إلى وجهي بينما الكلال قد جهد في تعويقي عن مرادي كأنما ذهبت لأفرق بينه وبين حبيبه، أو لأسعى بوشاية عليه لدي صديقه المخلص.
على تلك الحالة المذكورة التي لا يستطيع لساني الباقلي وقلمي المتحطم أن يصف عشرها وصلت إلى الهدف إلى مرقدي لأنام لا تداوي بالنوم (كما يتداوي شارب الخمر بالخمر).
وما كاد شعاع الشمس يمد أسلاكه ذهبية ثم فضية إلا وصدى صوت أحد الإخوان يتردد في مسمعي ... العبودي، الحميدي ...
سم، خير، نعم، هاه ... ؟ لا أدري بأيها أجبته وكل ما أعقله أني أجبته بأحدها، عقلت بعد ذلك أنه يدعوني للقهوة قهوة الصباح ذهبت إلى القهوة ذهابًا