اعتزل عبد الكريم الحميد الناس في مسجد خاص به اشترط على من أراد الصلاة فيه أن لا يحمل أوراقا نقدية تحوي صورا ولا بطاقة شخصية.
من الطبيعي في مجتمع يعشق القرار والسكون ويعد الديمومة قيمة يعلي من شأنها ويعظمها أن يثير تحول الشخص ومروره بأطوار متغيرة في حياته ونظرته إلى التدين، وفهمه للحياة اشمئزاز البعض.
يعيش أغلب الناس حياة تمر في شبه خواء ورتابة أشبه بالموت لا نكهة ولا مذاق، يولدون بصمت ويودعون الحياة بصمت، ويدرج آخر في محيط يميل إلى الصرامة والجفاف في كل مناحي الحياة فينشأ شابًا بمطامح متوثبة تضطرب فيه نوازع الشباب طموحة ما تنفك تجيش قوية عنيفة إزاء أنظمة صارمة متخلفة فما يزال في نقلة وترحال حتى يلقي عصا الترحال لعل وعسى أن يجد في ذلك الطمأنينة والسعادة.
في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم في قلب الجزيرة العربية نشأ وترعرع صاحبنا عبد الكريم بن صالح الحميد.
نشأ عبد الكريم فتى مترفًا لا تكاد عينه تطمح إلى شيء إلا نالته، شأن أترابه من أبناء البيوت الباذخة الثراء، حيث كان ابنا لإحدى أكبر العوائل التي كانت وما زالت من أغنى عوائل المنطقة، وكانت نجابته المبكرة ونجاحه في دراسته ينبئان بمستقبل زاهر ومكانة اجتماعية مميزة، غير أن تلك الحياة المترفة والنجاحات تلو النجاحات والسيارات الأمريكية الفارهة التي كان يقتنيها، كل ذلك ما كان له أن يفي بملء الفراغ الذي كان يكتسحه من الداخل، ولا أن يعوضه عن ذلك النقص الرهيب الذي يشعر به، فانقلبت حياته رأسًا على عقب، وعاد أدراجه من المنطقة الشرقية - حيث كان يعمل مترجمًا في (أرامكو) - إلى مسقط رأسه (بريدة) ليكون مريدًا وتلميذًا بارًا لواحد من أشهر