البؤس ويُسَرّ بها في موضع الحزن حيث اشتهر قوله رحمه الله وهو في السجن: ما يفعل بي أعدائي أنا جنتي في صدري، وإذا كان هذا في السجن فكيف في حياته العادية، ولما أغلقوا عليه السجن يقول:{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} وسعادة شيخ الإسلام وسروره بدينه أشهر من أن يذكر أما البيتين فيُشبهان ما كان يتمثل به إذا خرج في الصحراء كما ذكر عنه ابن القيم:
وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدّث عنك النفس بالسرِّ خاليًا
وكل هذا لا يدل على صراع كما يصف المتعلم وإنما يدل على أُنسه بربه وشوقه إليه لعلو مقامه في التوحيد والمعرفة، وما زال أهل المعرفة بمعبودهم والشوق إليه يتمثلون بمثل ذلك.
فالنقيدان يريد التشويش في شأن شيخ الإسلام ويريد أيضًا المقارنة بين ما اعتراه من الوساوس والشكوك كما تقدم من كلامه وبين أحوال شيخ الإسلام ومقاماته السّنّية، وشتان بين مشرّق ومغرب، والثرى والثريا.
ثم قال النقيدان عن شيخ الإسلام: كما يحكي عنه تلاميذه أنه كان إذا أشكل عليه فهم آية قرأ كل ما وقع بيده من كتب التفسير، فإن فتح له شيء وإلّا لجأ إلى مسجد خرب أو عتيق وتمرغ فيه كما تمرغ الدابة ودعا قائلا: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
قال النقيدان معلقًا على فعل الشيخ هذا قال: هذه القصة لا تعكس شغفًا معتادًا بالعلم ومعرفة القول الصحيح في تفسير آية ما بقدر ما تعكس حالة من الحيرة والقلق.
أقول: افترى النقيدان على الشيخ رحمه الله حيث وصفه بالحيرة والقلق، يريد بذلك الجمع والمقارنة بما أصابه هو من الشكوك وما يفعله شيخ الإسلام إذا أشكل عليه فهم آية وهذا من مكره وكيده.