المتباينة من الأعلين والأسفلين كانوا يعيشون ويحيون، ويتجرون كأنهم أسرة واحدة بقلوب مطمئنة، وعيون قريرة، ولم يحدث أن امتشق أحد حسامه بوجه أحد منهم، أو هز واحد منهم خنجرًا بوجه ابن خميس أو لوح بقصبة.
لقد كانت المشاجرات والدعاوي تحسم في ديوان ابن خميس، ويصدر فيها الحكم الفصل فينصرف المعاندون والمتخاصمون إلى أماكن تجارتهم راضين مرضيين، لأن ابن خميس عندما ينشغل بفض المنازعات تكون يده اليمني منتقلة بين كيسه الخاص، وجيوب المتخاصمين ... هاك خذ ... وأنت هذا أيضًا هاك فخذ .. خذ ما كتب الله لك.
هكذا كان يفعل بسد الغرامات عن المغرمين من كيسه الخاص، وعلى هذا النهج كان يؤدي الفصول والديات عندما تثور ثائرة الأوتار، وتقع النائرة والفتنة بالمطالبة بالثارات أمامه، فقد كان هذا العقل معروفًا من ابن خميس في البوادي والحواضر.
ولقد أكلت نزعة الإصلاح المغروزة في فطرة ابن خميس جميع الأموال التي كان يجنيها من الخميسية، فلم يدخر لا هو ولا أولاده شيئًا مما كان يفيض عليهم من صفراء الخميسية وبياضها، ويكون العجب على أشده إذا علمنا - نحن أبناء هذا الزمان - أن هذه العشائر التي كانت نافرة ثائرة، واترة وموتورة تدخل الخميسية، وتبيع وتشتري وسلاحها محمول على مناكبها، ويجلس شيوخها بصدورهم الواغرة بالعداء وخناجرهم الملطخة بالدماء في ديوان ابن خميس يتبادلون الأخبار والأحاديث النافعة، ويسلم بعضهم على بعض في غاية التواضع والمسامحة، وما أحسن قول زهير ابن أبي سلمى:
نعم الفتى هرم لم تعزُ ... نازلة إلَّا وكان لها من رأيه فرج (١)