للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الآن فقد جُفِّفَت تلك الأهوار وغدت كأنها جزء من البادية، ولم تعد الخميسية الآن على حافة الهور بل هي آثار وأطلال كأنها لا عهد لها بما كان يهددها من عواقب الفيضان (١).

قال الأستاذ معن بن شناع العجلي أيضًا:

لقد وافق بناء الخميسية في أيام عمرها الأولى أحداث رهيبة وقعت في مدينة سوق الشيوخ ارتجت لها الأرض، وماجت بالأجسام التي مزقها الرصاص، وأرقت الدور واستهدفت قبيلة حجام، وآل حسن، بهجمات قام بها الجيش التركي، وسطرنا بعض ذلك في صفحات أخرى من هذا الكتاب.

كان كل ذلك يجري حول الخميسية، وفيما يجاورها، وينعقد دخان البنادق في الهواء الذي يمر عليها، وتقتل هذه العشائر الجامحة حولها، وتنقطع السبل والطرق بسبب الهجمات التركية المتصلة، والجحافل العثمانية التي تجول هنا وهناك بين جثث القتلى المنثورة في أرياف (المجرة) يضاف لها الاغتيالات، ومبادرات الطيش العنيف، والغرور العنيد القائم على قدم وساق، والفتك الغادر الذي قد أصبح عادة وسلوكًا على ضوء النهار، أو تحت سُجُف الظلام، كما يظهر واضحًا للقارئ في كمال البصيرة والمشاهدة والرؤيا من مضامين صور الحوادث التي صيغت على الورق في هذا الكتاب.

كل هذا كان حول الخميسية وأكثر منه، وقد كانت هي آمنة مطمئنة لم يسكب على الأرض فيها أي دم لمظلوم، وهذا موضع العجب، وداعية السؤال.

كيف كان آل خميس يديرون الخميسية ضامنين الاستقرار والهدوء والأمن، وحماية التجارة، وسلامة خمسة آلاف نسمة من تلك البيوت، والعوائل، والطبقات


(١) الخميسية وما حولها، ص ٢٣ - ٢٤.