العلوم الشرعية خاصة المسائل الفقهية، إلى أي مدى تتفق مع هذا القول؟ وإلى أي مدى يمكن للمشتغلين في حقل الدراسات الشرعية استخدام العقل بوصفه أحد أدوات البحث والاجتهاد؟
أعتبر هذا الحكم جائرًا في حق المشتغلين بالبحث العلمي، رغم قلة الدعم، وعدم التفرغ، وإذا قارنت هذه الجهود بجهود غيرهم من المشتغلين بالعلوم الإنسانية وجدتهم لهم السبق في هذا.
فهناك من اشتغل بتحقيق التراث، وطبع في هذا العصر منها ما لم يطبع على مر العصور.
وهنا من توجه إلى العناية بدراسة السنة النبوية، وبيان صحيحها وضعيفها.
وهناك من توجه إلى دراسة المعاملات المعاصرة، وأبلى فيها بلاء حسنًا في دراستها، وتكييفها، وفرزها، وتهذيبها، وفي هذا الباب بالذات يواجه الفقيه تحديًا كبيرًا، ربما لم يتعرض له الفقيه المسلم على مر عصوره، فقد كان الفقيه المسلم يواجه نازلة أو نازلتين، بينما الفقيه المعاصر يواجه منظومة اقتصادية كاملة منقولة من بيئة مختلفة، ولا تخضع لأي معايير إسلامية، ولا يمكن للفقيه المسلم أن يقيس هذه المعاملات المعاصرة على أي من المعاملات القديمة.
فالتقليد في انحسار وتراجع، لا أقول لدى الفقهاء، بل حتى لدى المتلقي للفتوى، فالمتلقي يريد اليوم أن تعرض عليه الدليل حين يسألك عن حكم مسألة ما، ويريد أن تطلعه على الخلاف في المسألة، وربما ناقشك في استدلالاتك، وأصبحت الفتوى في مسائل الخلاف تمثل رأي المفتي أكثر من كونها تمثل الحكم الشرعي، وهي ظاهرة صحية إذا سلمت من تتبع الرخص، واختيار التشهي.