تعريف الهوية والانتماء إلى المكان، فقد سجل سابقة في ميدان دراسة القبائل وعاداتها وطباعها وطرق انتقالها من حياة البداوة إلى التجمعات المدنية والإمارات والممالك.
الدخيل في جهده هذا أكثر من مؤرخ أو ملاحظ عابر في أحوال القبائل وأصولها، بل هو أميل إلى الحكماء الذي يجمع خبرة التناقل الشفاهي للأنساب التي يجيدها من انتمى وعاش في مجتمع قبلي، إلى ثقافة وقوة ملاحظة اكتسبها من التعليم والمطالعة والسفر ومعرفة قيمة الجغرافيا وأبعاد التوزيع السكاني والقدرة على المقارنة بين المجتمعات، سبق للدخيل أن طاف البلدان العربية وذهب إلى الهند وتركيا، ودرس ببغداد وهو صغير السن على يد محمود شكري الألوسي أحد بناة النهضة العراقية من رجال العلم والدين.
لعل مفارقة عراقية الدخيل تحمل دلالة تشير إلى ما يمكن أن نسميه المادة الغفل في دراسة طبوغرافية تلك الثقافة، فهي تساعد الناظر على التوصل إلى معاني ظاهراتها وبينها تمثلات الهوية الوطنية، فالدخيل الذي يفاخر بنجديته وانتسابه إلى المكان الذي يسميه باعتزاز كبد جزيرة العرب: القصيم، لا يجد المتابع سيرته التي سجلتها كتب الأدب العراقي، صدي يذكر لتلك المعلومة، حيث لا يتوقف الكتاب أمام هذه الملاحظة، قدر ما يؤكدون عراقية له غير منقوصة.
ولا يمكن أن نفهم تلك المفارقة إلَّا في إطار نوازع أناس تعودوا استيعاب الاختلاف في الأعراق على نحو ربما لا يشبه البلدان العربية الأخرى فالمتابع أدب تلك الفترة يستطيع أن يصل بأصول الكثير من كتَّاب العراق إلى ما لا حد له من الأعراق والمنابع غير أنه سيكتشف أن الانصهار والتواجد بداهة لا يتوقف عندها الدارس، وفي الظن أنما يعزز عراقية الدخيل أن معظم قبائل العراق وقتذاك هي من هجرات الجزيرة العربية سواء تلك