الحكومة لا تزال في ريب من أمر العرب والأحجام عنهم، وعلى ما أرى: أنها تود أن تكون في غنى عن نصرتهم، ولعلها تخاف من أنهم إذا تمدنوا قلبوا لها ظهر المجن وعادوا إلى مجدهم السابق، وهذا كله من التخيلات السياسية والأوهام التي لم تدر في خلد العرب.
ناضل سليمان الدخيل من أجل ربط الجزيرة العربية بالدولة العثمانية، ولكن مسعاه كان يخيب في كل مرة، مع أنه فاتح أولياء الأمر وثابر الكتابة إلى الباب العالي، وأرسل المبعوثين، وفي الظن أن إغراء النهضة الثقافية في تركيا أواخر الفترة العثمانية، ومحاولة الأتراك التشبه بالقوانين الأوروبية الحديثة والدساتير، كانتا وراء تلك الرغبة العارمة في علاقة نوعية مع الأتراك المسلمين، ولا نجد له كبير اهتمام بوصف العلاقة مع الغرب وبريطانيا على وجه التحديد التي كان وجودها في الشرق الأوسط وتطلعاتها إلى الجزيرة العربية والعراق، موضع جدل وتوتر بين الفئة المثقفة التي كانت تحمل لبني عثمان بعض الولاء.
هل تعرَّض الدخيل إلى اضطهاد الحكام العثمانيين؟ شأنه شأن الأدباء العراقيين المتنورين، أو ربما المخالفون مذهبيًا؟ هذا ما يرد عابرًا في أحد كتب التراجم، وتبقى الرواية بحاجة إلى التثبت، ولكن المؤكد أنه عاد إلى نجد إبان الحرب الكونية الأولى، ولكنه قفل راجعًا إلى بغداد بعد نهايتها، ليموت في العراق العام ١٩٤٥ م، وكان خلال تلك الفترة يتأرجح بين سطوع نجمه وخفوته في كل الحقول التي كتب فيها.
يشخص سليمان الدخيل أمامنا نموذجًا لرعيل من الكتاب وأصحاب الاختصاصات المهمة الذين وفدت عوائلهم من نجد، وبعضهم ولد وتعلم في العراق فكانوا من بناة النهضة العراقية، حيث تطلعوا في كل مشاريعهم إلى إشادة عراق متحضر مديني، بل قاد بعضهم تلك النهضة، سواء كانوا أدباء مثل