العارفة فهو عندنا وعند أهل البادية جميعًا بمنزلة القاضي عند المتحضرة، وسمي بالعارفة على وزن فاعل مع تاء في الآخر، وهي تاء المبالغة كالراوية لا تاء التأنيث لأنه يعرف المتحاكمين إليه بالحق ويحكم به أو لأنه يعرفهم بحق كل واحد منهم حينما ارتضوه حكمًا لهم، وكان الأقدمون من العرب يسمونه الحاكم، وهو مشتق من الحكم لا من الحكمة كما يتوهمه قوم من الكتاب ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظرب وهاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم.
وإذ علمت ما هي العرافة فأعلم الآن أنه يجوز عليها القرع، أما القرع عندنا، فهو عبارة عن التنبيه والإخطار أو بعبارة أخرى هو أن ينبه صاحب الضائعة لمن عنده حينما عرفها أنها له فيقول: إن عرافتي الفلانية هي عند فلان بن فلان أو عند العرب الفلانيين أو في المحل الفلاني وهي (مقروعة أو مقروع عليها أو مقروعة عليه)، وله وجه فصيح في اللغة من قرع السهم القرطاس إذا أصابه، لأن الإنسان إذا أصاب شيئًا مطلق الحرية بسهم من سهامه أخذه له فكيف لا يأخذه وهو له في الأصل، ولهذا لا يجوز للرجل أن يبيع العرافة أو المقروعة كما لا يجوز لأحد أن يشتريها إلى أن تنتهي المحكمة، فإن باعها خسر ثمنها أو ما يقابلها ودفعه إلى صاحبها الأول.
ويجوز لصاحبها بعد القرع أي بعد التنبيه أن يأخذها إن وجدها عند آخر وهو الذي وجدت عنده أخيرًا، أما هذا صاحبها الأخير فله حق استرجاع ثمنها من صاحبها الغير الشرعي وهو الذي وصلت منه إليه (وعلى تعبيرهم: الذي درجت منه إليه) وأما إذا انتهت المحاكمة بعد القرع فإن أثبت المدعي أنها له أخذها منه ودفع صاحبها إلى أن يتتبع الذي وجدت عنده إن كانت درجت إليه من أحد، فإن لم يثبت أنها له سقط القرع وجاز لذاك التصرف فيها، ولهذا البحث فروع كثيرة يطول ذكرها وليس هذا محلها.